خلال زيارته الأخيرة إلى روما على هامش قمة العشرين، حرص الرئيس الأميركي جو بايدن على لقاء قداسة البابا فرنسيس، بابا الكنيسة الكاثوليكية. وما لفت انتباهي أن البابا أهدى ضيفه نسخة من وثيقة الأخوة الإنسانية، التي وقعها قداسته مع فضيلة الإمام الأكبر الدكتور أحمد الطيب شيخ الأزهر الشريف في الرابع من فبراير 2019 بأبوظبي. وبدعم لا محدود من الإمارات، ومن صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، ولي عهد أبوظبي نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة، على وجه الخصوص. والوثيقة - الهدية تعكس جهود الإمارات التي تؤمن بضرورة ترسيخ أهمية التعايش، وإمكانية تحقيقه عبر الحوار البناء وتبادل الآراء لفهم الآخر، مع دعم حقه في حرية الاعتقاد، وبما لا يمس حقوق الآخرين، أو يحول دونها.

تلك الهدية برمزيتها تكشف عن تقدير لجهود الإمارات في هذا الملف بالغ الحساسية والأهمية، وهي بلا شك تنسجم مع النهج الإنساني الذي يجب أن يسمو فوق الجميع، وأن يتخذه الناس أسلوب حياة لهم. ما بذلته الإمارات على هذا الصعيد مهم للغاية، وهي مستمرة في أداء رسالتها وبما يؤكد إصرارها على تحقيق ثقافة التعايش ونبذ التطرف والإرهاب. 
وليست وحدها المؤسسات الرسمية هي التي تعمل من أجل الوصول إلى تلك الغاية، إنما الأهلية أيضاً، تلك التي تطرح أفكارها ورؤاها ضمن إطار فعالياتها. وهذا الأمر ديدن الجامعات كذلك، ومن بينها جامعة «محمد بن زايد للعلوم الإنسانية»، التي نظمت مؤخراً مؤتمر (تجديد الخطاب الديني) برعاية سمو الشيخ عبد الله بن زايد آل نهيان وزير الخارجية والتعاون الدولي، وبمشاركة عدد من العلماء والخبراء من داخل الدولة وخارجها. 
المحاور التي تناولها المؤتمر تعنى بتجديد الخطاب الديني، وإعلاء مبدأ الاعتدال، وتعزيز قيم الأخوة الإنسانية والتسامح، فالحديث الراهن عن التجديد - كما خلصت نتائج المؤتمر - تنبع أهميته من حاجة يتطلبها الواقع الذي طرأت عليه الكثير من المستجدات، وخطاب التجديد يفرض المواءمة بين الخطاب الديني واجتهاداته والواقع بمتغيراته.

أما الخطاب الديني المأمول تحقيقه، والذي طرحه المؤتمر في بيانه الختامي؛ لا بد أن يتصف بالانضباط والانفتاح والتسامح، وكل ذلك يستوجب استيعاب التراث، وتعزيز روح الرحمة والمحبة والتضامن، خصوصاً وأنه خطاب يقبل الاختلاف ويتسع لمختلف وجهات النظر والآراء، كما يحرص على الأخذ بمصالح الناس ومراعاة ضعفهم. 
وليس غريباً أن تصب مجمل توصيات المؤتمر في روافد الفكر المعتدل الذي تعتد به الإمارات. وبعيداً عن الاعتبارات العرقية والطائفية؛ تبني سياساتها بما ينسجم مع هذا؛ خدمةً للإنسانية وترسيخاً للأخوة الإنسانية.

وعلى ضوء ما تقدم من الممكن القول إن الإمارات في مسعاها نحو تجديد الخطاب الديني وتنقيته مما لحق به من تشويه، وحرصها على تعميم ثقافة التسامح ومحاربة الأفكار المتطرفة؛ نجحت في حشد الأنصار والمؤيدين من مختلف الأديان والتيارات الفكرية، وهو ما دفع قداسة البابا إلى القول في وقت سابق (إن التسامح والإمارات وجهان لعملة واحدة).

الأمل كبير في أن يكون المؤتمر فاتحة مشاريع طموحة ترسخ مفاهيم السلم والتسامح والأخوة الإنسانية، وتستعيد الخطاب الديني الوسطي بمضامينه وقيمه التي كدنا نفقدها كلها في العقود الأخيرة بسبب التطرف الفكري. والمؤسسات الدينية معينة بذلك بالتأكيد، فعليها تقع جهود مهمة عبر تخصيص برامج تدريبية لتأهيل الدعاة، والعودة إلى الأصل القائم على التسامح، وتعليم كوادرها الأطر الحديثة للتواصل مع مختلف شرائح المجتمع.
التقارب بين الأديان والتسامح هو شعار الإمارات التي نجحت بفرض تلك الأجندة على اجتماعات الزعماء والقادة، وحققت نجاحاً يتمثل في سعيها الدؤوب نحو نشر ثقافة الوسطية وفضائلها ومعانيها النبيلة التي حملتها جميع الديانات السماوية.