استكمالاً للحديث المتعلق بتأثيرات القوى الخفية على السياسة الخارجية لدولة الإمارات العربية المتحدة، يشار إلى أنه قد مضى وقت ليس بالقصير منذ أن بدأت موجات العنف والتطرف والإرهاب والجريمة المنظمة بغزو منطقة الخليج العربي، حيث بدأت مظاهر العنف والتطرف في البحرين والكويت في بداية ثمانينيات القرن العشرين، مروراً بالمملكة العربية السعودية بتفجيرات المنطقة الشرقية، وانتهاءً بمحاولة «الإخوان» الانقلابية في دولة الإمارات.

إن مظاهر العنف والتطرف وخيانة الأوطان هذه هي نتائج لما يمكن للقوى الخفية المدعومة من الخارج أن تقوم به ضد المجتمعات الآمنة، وتأثيرها سلبي عليها حتى الآن، وهو إن لم يكن محسوساً مباشرة لدى المواطن العادي، إلا أن تأثيراً على مجتمعات دول الخليج العربي ستطال مصالحها بعيد المدى على صعيد السياسة والاقتصاد والتجارة الحرة والتعليم والإلمام بالتكنولوجيا المتقدمة وحيازتها الفعلية والأخذ بفوائدها والاستفادة منها.

والملاحظ أن السياسة الخارجية لدولة الإمارات قد تمكنت حتى الآن- والإمارات على وشك الاحتفال بالذكرى الخمسين ليومها الوطني- من تحقيق نجاحات كثيرة ومواكبة مشهودة في مجالات التصدي للقوى الخفية التي يمكن لها التأثير على الأمن الوطني والسلم الاجتماعي للبلاد، خاصة بالنسبة للظاهرة الإرهابية على صعيد التعاون الأمني الدولي وسن القوانين اللازمة لمكافحة الإرهاب والتصدي للإرهابيين وشبكات العنف المنظم، وغسيل الأموال الداعمة للإرهاب العالمي، وهي أمور نتج عنها أن البلاد بفضل من الله لم تواجهها حتى الآن أية مشكلة إرهابية أو غيرها لم تتمكن من التصدي لها ومواجهتها ومعالجتها بنجاح حتى الآن.

وقد تأتي لدولة الإمارات في سياستها الخارجية أن تقوم برصد كل ما يمكن أن يحاك لها في الخارج عن طريق الابتعاد عن كل ما هو وهم أو تضليل بأن الإمارات محصنة ضد التعرض لأية عمليات إرهابية، وقامت بالأفعال الرصينة التي تحقق لها ذلك على أرض الواقع بحيث يمكنها القضاء على كل ما يمكن أن يمسها وهو في مهده، فهكذا هو ديدن الأم الحيّة بعدم ترك أي شيء للحدوث بمحض الصدفة.

لقد وضعت السياسة الخارجية للبلاد نصب أعينها أن شبكات الإرهاب والتطرف والجريمة المنظمة وحياكة المؤامرات السياسية والدسائس على مدار العالم تبحث عن كل سلاح فتّاك ووسيلة مرعبة للنيل من أمن وسلامة المجتمعات والدول الآمنة، ودولة الإمارات ومجتمعها المسالم منها، بما في ذلك البحث الدؤوب لحيازة الأسلحة الفتّاكة وغسيل أدمغة الشباب وغسيل الأموال والتغلغل في مفاصل الدولة والمجتمع في سبيل تنفيذ الأجندات والمخططات الضارة، وهي أسلحة وأدوات ووسائل متوفرة في الأسواق السوداء ودهاليز الظلام لو أن القائمين على السياسة الخارجية للبلاد أغمضوا أجفانهم للحظة واحدة عن الرصد والمراقبة واليقظة الدائمة والملاحقة المستمرة، وهذه حقيقة مدركة، ويعمل الجميع على استيعابها جيداً والعمل بموجب مقتضياتها عن طريق بناء الكوادر المؤهلة الملمة بمقتضيات عصرها، وعن طريق استخدام أحدث التقنيات والتكنولوجيا المتاحة في عالم اليوم. ويضاف إلى ذلك أن دولة الإمارات تشهد نهضة شاملة تطال جميع جوانب الحياة فيها، وأصبحت قوة اقتصادية وسياسية لا يستهان بها على الصعيد العالمي.

وانطلاقاً من هذه الحقائق أصبح صنّاع السياسة الخارجية ومنفذوها يدركون خطر ظهور من يريد النيل من كل ذلك، ربما لا لشيء سوى بدافع الحسد والحقد والغيرة وأطماع الهيمنة والانتقام التي تعمي القلوب قبل العيون.

لقد أدركت القيادة السياسية الرشيدة في البلاد أنه لكي يتحقق جميع ذلك يحتاج إلى رسم وتنفيذ سياسة خارجية رصينة تقوم على أسس ثابتة ويساهم في التخطيط لها مواطنون أكفاء على دراية بخبايا وتفاصيل تأثيرات القوى الخفية على السياسة الخارجية. دولة الإمارات وضعت لنفسها مناهج جديدة في سياستها الخارجية تهدف إلى النجاح في مواجهة هذه التحديات الجديدة التي يتسم بها عالم اليوم المتغير.

وهذه المناهج الجديدة، كما أشرنا لا تحتوى على أي نوع من ترك الأمور للصدف فيما يتعلّق بتحقيق الأمن الشامل للبلاد داخلياً وخارجياً مهما كان القناع الذي تختفي خلفه القوى الخفية، الأمر الذي يعني وضع الأسس لمؤسسات قوية وكفوءة.

* كاتب إماراتي