في العام 2015 نجح المسلمون في مدينة «هامترامك» الأميركية في أن يشكلوا أغلبية في مجلس المدينة التي يبلغ عدد سكانها 28 ألف نسمة!. حدث لم يكن عادياً في تاريخ «ثنائية العلمانية والديموقراطية» الأميركية! واختراق لم تحسب حسابه الثقافة البروتستانتية الأنجلوساكسونية الغالبة!
تهافتت الصحافة الأميركية على تغطية هذا الواقع الجديد الذي لم يظهر من قبل في أية مدينة أو بلدة أميركية. وخرجت الكثير من الكتابات والتقارير والدراسات التي تتناول مستقبل المدينة وترسم السيناريوهات التي قد يواجهها السكان المحليون.

وبالطبع كانت الكلمة الأكثر تكراراً في الإعلام الأميركي حينها هي كلمة «الشريعة»، وكان السؤال المشترك الذي يدور تقريباً في التغطيات كافة هو «هل سيعتمد المجلس الجديد بعض نصوص الشريعة الإسلامية كمرجع قانوني في إدارة المدينة أم لا؟».
وقبل أيام قليلة عادت نفس المدينة إلى الأضواء من جديد بعد أن انتخب سكانها مجلساً مكوناً بالكامل من مسلمين، وكذلك عمدة مسلم من أصل يمني لم يهاجر للولايات المتحدة إلا منذ أربع وعشرين عاماً فقط. ستة مقاعد من أصل ستة مقاعد أصبحت تحت سيطرة ستة أعضاء ينتمون للمكون الإسلامي في المدينة. اثنان من أصل بنغالي وثلاثة من أصل يمني، وواحدة من أصل بولندي تحولت إلى الإسلام حديثاً.

حدث جديد آخر يمثل تحولاً، ولو صغيراً، في المزاجات الأميركية التي أعقبت قيام الجمهورية الأميركية على يد مسيحيين خُلّص.
العلمانية الأميركية التي تقول «نحن الناس» في ديباجة الدستور الأميركي، متجاوزة أية أبعاد دينية، لم تكن تحرك السواكن على مدى 230 عاماً وهي ترى المسيحيين يكتسحون الفوز عاماً بعد عام في مقاعد مجالس المدن والبرلمانات التشريعية الخاصة بالولايات والكونجرس!! بل إن مسألة الدين لم تكن مطروحة طوال تلك السنوات، لأن المسيحيين كانوا دائماً هو أهل الغلبة في شؤون إدارة البلاد. كانت العلمانية تزدهر كلما تمكنت الثقافة المسيحية من ترسيخ وجودها في العالم الجديد.

وكان الدين غائباً عن المشهد السياسي لسبب بسيط جداً وهو «عدم الحاجة لاستحضاره بحكم وجوده أصلاً في جوهر الجميع».
كان التوافق المسيحي، بعبارة أكثر تجرداً وقرباً من الحقيقية، هو التعريف الإجرائي للعلمانية!! «نحن الناس أي نحن المسيحيون. ونحن المسيحيون متشابهون في واقع الحال، ونملك بالتساوي نفس عطايا الرب، فليس إذن هنالك من داعٍ لإدخال الدين في صراعاتنا السياسية»، هكذا كانت تسير العملية السياسية منذ جورج واشنطن وحتى مطلع الألفية الجديدة!
كانت الأمور تسير على ما تشتهي (علمانية الواسب) أو البروتستانت البيض الأنجلوساكسون، لكن عندما نشأ تهديد صغير من قرية صغيرة في ضواحي ميتشيجن، اشتغل الإعلام وضجت المنتديات الفكرية والثقافية وعادت من جديد مسالة الدين لتطفو على السطح!
أميركا التي يمثل المسلمون فيها نسبة لا تتجاوز 1.1% اهتزت وارتبكت بظهور «الهامترامكية Hamtramckism»، فكيف هو الحال بأوروبا التي يُتوقع أن تكون فيها «الهامترامكية» أكبر بكثير وأشد تأثيراً خلال السنوات العشرين أو الثلاثين المقبلة.
كانت ثنائية العلمانية والديموقراطية الغربية «أداة حكم» للنسيج الواحد المتشابه داخل الحدود، و«أداة تحكم» لإخضاع الشعوب الأخرى خارج الحدود، لكن الأحوال بدأت تتغير، ولم تعد هذه الثنائية هي الوسيلة الأفضل لاستمرار التفوق الغربي، وبالتالي فقد نشهد خلال العقود القليلة المقبلة تغييراً جذرياً في بنيتها التي نعرفها، لتتواءم مع الواقع الغربي الجديد

كاتب سعودي