عندما غزا الحاسوب العالم، وتم اختراع الإنترنت لأول مرة، لم يدر بخلد مخترعيه، أن هذه الفكرة سوف تكون مستقبل البشرية، أو على الأقل عمادها وكنهها الأساسي للمائة عام القادمة، ظنوا أن المسألة لا تعدو كونها مجرد تحديثات لعمليات الاتصال، ونشر العولمة والمعرفة، وتحويل العالم إلى قرية صغيرة فقط.
مع ظهور الإنترنت، في تسعينيات القرن الماضي، ظهرت مجموعات كبيرة من المتخصصين في مجال البيانات والتقنيات والشبكات، وتم توظيف عدد كبير منهم لخدمة الصالح العام في دول العالم، وتطوير البرامج والتطبيقات وتسهيل حياة الناس في التحول الرقمي، ولكن البعض منهم، لم يجد عملاً أو وظيفة، أو كان مقدار الدخل الذي يمكن تحقيقه أقل من طموحاته وأهدافه، فاتجهوا إلى الباب الخلفي، إلى ظلمة الليل، وأصبحوا ما سمّي لاحقا بـ «الهاكرز»، وخلال فترة قليلة، أصبح هذا العالم منظماً بشكل مخيف، مافيات وعصابات تعمل في اختراق مواقع المؤسسات والشركات، ويتم استغلالها أيضاً من قبل أصحاب الفكر المتطرف، ثم تطورت لاحقاً لاستغلالها من قبل بعض الدول الإرهابية، التي قررت استعمال هذه التقنيات لبدء معارك إلكترونية.
حسب اتحاد العلماء الأميركيين، في المنشور المشترك رقم 3-13.1، المودع لدى المكتبة الرقمية للأمن الداخلي في الولايات المتحدة الأميركية، أطلق على تلك المعارك الإلكترونية اسم «الحرب السيبرانية» والتي أصبح لها وسائل تخطيط وعقيدة ليست مستقلة عن العقيدة العسكرية التقليدية لكنها جزء منها، وموازية لها، وتعمل في نطاق العمليات العسكرية لحماية الطيف الكهرومغناطيسي والمستشعرات على المركبات الجوية المأهولة وغير المأهولة، وكذلك أجهزة الكمبيوتر والراديو والأجهزة اللاسلكية من المخاطر التي تتعرض لها القوات العسكرية من أي اختراق أو اضطراب ينمو بشكل ملحوظ، ويحدد المنشور أيضاً، المسؤوليات التنظيمية لحماية استخدام الطيف وتعطيل استخدام الطيف الترددي لقوات العدو. 
لا شك أن ذلك كله قد استدعى تدخل المختصين في المدارس النظرية الأمنية لشرح مفهوم «الأمن السيبراني» فذهب «روس ج. أندرسون» في كتابه «هندسة الأمن: دليل لبناء نظم موزعة يمكن الاعتماد عليها» و«موري جاسر» في كتابه «بناء نظام لحاسوب آمن» إلى القول إن الأمن السيبراني هو فرع من فروع التكنولوجيا المعروفة باسم أمن المعلومات يطبق على الحاسوب والشبكات بهدف حماية المعلومات والممتلكات من السرقة والفساد، أو الكوارث الطبيعية، لكنه يسمح للمعلومات والممتلكات أن تبقى آمنة في متناول مستخدميها المرخصين ومنع العبث بها أو تعرضها للانهيار أو الاختراق من قبل أشخاص أو أطراف غير جديرين بالثقة أو غير مرخص لهم، ويمكننا هنا تعريف الأمن السيبراني بأنه «علم وفن أمن المعلومات لحماية أجهزة الكمبيوتر والأجهزة التكنولوجية المختلفة من الاختراق أو سرقة المعلومات والبيانات الإلكترونية والذكية أو تعطيل الخدمات التي تقدمها، أو إتلاف البرامج التي تستخدمها، وإبقائها آمنة لمستخدميها الموثوقين».
أبرز تحديات الأمن السيبراني هو حالة التقارب النوعي في معالم التحول الرقمي الأساسية، والذي يخلق بوابات إلكترونية غير مقصودة تسمح للمخاطر والهجمات بالعبور لتأدية هدف ما مثل: الانتحال، التنصت، التصيد، هجمات الحرمان ومتعددة النواقل والوصول المباشر، وزرع الفيروسات، وطلب الفدية وغيرها، ولمعالجة هذا التحدي فلابد من وضع استراتيجية تسمى «المرونة الإلكترونية السريعة» والتي تساهم في تقليل المخاطر والأضرار المالية والمعنوية، وتعمل على حماية الأجهزة والبيانات والتطبيقات بالدفاع عنها من خلال حماية تكوينات النظام الأساسي في الحاسوب واكتشاف العيوب وتخزين البيانات غير القابل للتغيير أو العبث.
سنستكمل الأسبوع القادم مناقشة تحديات الأمن السيبراني، ولكن يحق لنا في دولة الإمارات العربية المتحدة، أن نفخر ونحن نحتفل بعيدنا الخمسين بما تم إنجازه بفضل القيادة الحكيمة لتحقيق أفضل ضمان لأمن المعلومات وتعزيز بيئة رقمية آمنة وموثوقة وحماية التطور التكنولوجي من التهديدات السيبرانية والقرصنة والجرائم الإلكترونية المنظمة التي تهدد الأمن القومي لدول كثيرة في العالم، فوضعت الدولة عدداً من الإجراءات والتدابير والمبادرات لتعزيز أمنها السيبراني مثل: تأسيس مركز الاستجابة الوطني لطوارئ الحاسب الآلي، وتنفيذ شبكة إلكترونية اتحادية لرصد ومراقبة وقائع ومجريات البنية التحتية للشبكة الإلكترونية الاتحادية على مدار الساعة، ومبادرات في السلامة الإلكترونية، «مبادرة سالم التوعوية»، و«سفراء الإمارات للأمن الإلكتروني»، كذلك مبادرة «سايبر سي 3» وغيرها من الأنشطة والمبادرات.

*لواء ركن طيار متقاعد