يأتي الثاني من ديسمبر من كل عام مثقلاً بالمعاني النبيلة زاخراً بالدلالات الوضَّاءة، حاملاً راية العز والفخر لكل من يعيش على أراضي الإمارات العربية المتحدة من مواطن ومقيم بل وعابر منها وسائر.

إنه يوم فاصل في تاريخ هذا الوطن خاصة والعالم العربي عامة، فقبل هذا اليوم كانت ربوع هذا الوطن تعيش حالة البساطة بكل أبعادها ومعانيها لم تساير التاريخ الحديث إلا قليلاً، ولم ينعم أبناء هذا الوطن بكثير من منجزات العلم الحديث وما أنتجته الحضارة، بل كان الشظف في العيش والإمكانات المحدودة هي التي تلقي بآثارها على أبناء هذا الوطن، وكانت هذه الربوع شبه متروكة وكأنها منسية من تاريخ العالم، وكان هناك قلب أبوي كبير، وفكر وقَّاد واسع حكيم، يجوب هذه البلاد بصحاريها وشطآنها وكثبانها وجبالها، ويسمع عن منجزات العلم وتقدم الإنسان في كثير من وسائل الحياة والعمران، ويرى جانباً من ذلك فتتحرك في داخله الأفكار البنَّاءة الخيّرة وترتسم في مخيلته صورة نموذجية لمستقبل هذا الوطن وما يستحق أن يكون عليه، وتنبعث في جوانحه عزائم رجال الصحراء بفطرتهم السليمة وعقولهم الصافية وهممهم العالية، إنه الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، طيب الله ثراه، الذي عاش المرحلة الأولى من البساطة ومحدودية الإمكانات فسَمَتْ روحه وانتفضت عزيمته لجعل هذا الوطن فريداً في مبناه أكثر مما يراه تقدَّم في دول الغرب أو الشرق، عزيزاً في معناه لما جباه الله عز وجل أبناء هذا الوطن من خصال النُّبل والخير وورثوه من قيم سامية من الآباء لقرون طويلة، فألقى بكل جهده وماله وفكره وحُسن علاقاته وتواصله مع القبائل وأبناء هذه الربوع، ليجعل منهم وطناً واحداً ينافس به الأوطان، وليكون لهم هدف واحد يسمو على أهداف كل البلدان يجمع جانبين: العمران والإنسان، وبجهود حثيثة ونية صادقة حقق الله له ولإخوانه المؤسسين المراد الذي طوى السنين العجاف، وأقبل به الخير إلى كل شبر من هذه البلاد، وسطع نور تزايد مع الأيام حتى خطف الأبصار والأفكار من العباد.

إنه يوم الثاني من ديسمبر عام واحد وسبعون وتسعمائة وألف، يوم إعلان الاتحاد. كان هذا اليوم يومَ التحول في تاريخ العرب الحديث فقد مرَّ عليهم منذ مطلع القرن العشرين أحداث جسَام جعلت العالم ينظر إلى العربي حضارةً وفكراً وسلوكاً... أنه في آخر السلَّم البشري، وقد رسّخ هذه النظرة الصراعات والنزاعات الدموية فيما بينهم والهزائم الفكرية والعسكرية التي حلَّت بهم، ولم تستثن دولة من دول العالم العَربي، بل كانت الدول العربية في تقهقر دائم وتراجع مستمر على المستوى الخارجي بل وأحيانا الداخلي.

ولكن هذا اليوم الذي سطع نوره، وكأنه روح نفخها القائد المؤسس الشيخ زايد طيب الله ثراه فبعثت الحياة في معنى الإنسان العربي، وسابق به الزمن وتواصل مع العالم، وفتح الآفاق شرقاً وغرباً وسار بنفسه ليرى ما يحصل في أرجاء الدنيا، وما كان طيب الله ثراه يعود من رحلة خارجية إلا وهو يحمل عظيم الأفكار وجليل الأنظار، ليعكسها في رحلاته الداخلية في مشروعات كبرى إنسانية وعمرانية.

وهكذا وفي عقود قليلة من السنوات أصبح هذا الوطن مفرداً في نسيجه، حديثاً في عمرانه بديعاً في نظامه أطل على العالم كله لأن العالم كله موجود فيه فهو النموذج العالمي للعيش المستقبلي المشترك، وبدأت صورة العربي والتاريخ العربي الحديث يتغيران من دولة الإمارات العربية المتحدة.

ومنذ عقدين من الزمن لا يمر يوم إلا وتُقدم دولة الإمارات العربية المتحدة جديداً يخدم الإنسانية ويسهل الطريق أمام الحياة البشرية، وبلغت دولة الإمارات العربية المتحدة اليوم من التأثير الإنساني والعالمي ما لم تبلغه دولة عربية أخرى، بل لم تبلغه كثير من الدول الكبرى العريقة. لقد انتقل القائد المؤسس الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، طيب الله ثراه، إلى جوار ربه قرير العين مطمئن النفس بما صنعه لهذا الوطن، وما أسداه لكل العرب في إزالة الظلمة عن تاريخهم، والحيف والجور والسوء عن صورتهم، وأصبحت صورة العربي في العالم تستلزم استحضار صورة القائد الشيخ زايد بن سلطان ومعناه الذي غدا رمزاً إنسانياً رفيعاً، وعنواناً للبناء والعطاء والحكمة العربية.

وإن أبناء هذا الوطن بل والعرب كلّهم في هذا اليوم الفاصل في تاريخهم يستحضرون هذه الروح الكبيرة، وهذا الفكر الباني، وهذه العزيمة القَعْسَاء التي جمعها الله تعالى في الشيخ زايد بن سلطان، فيستلهمون منه هذه القيم والمعاني في سيرهم للمستقبل ونظرهم للحياة. ومسيرة الثاني من ديسمبر لن تتوقف بإذن الله تعالى، إذ حمل راية الشيخ زايد أبناؤه البررة وأبناء هذا الوطن الخِيَرة، وتابعوا السير حتى غدا لهذا الوطن إسهامات عالمية كبرى في مجالات لم يدخلها إلا قليل من الدول، وأصبح لهذا الوطن كلمة مسموعة وراية مرفوعة في كل ركن وجهة من أركان العالم وجهاته.

وإذا كان هذا الوطن قد أصبح مثالاً عالمياً في البناء والنظام والتقدم والعيش الكريم لأبنائه، ولكل من يعيش على أرضه، فإنه كذلك أصبح ركناً من أركان النظام العالمي الذي يخطط للبشرية في مستقبلها: إنساناً وتعاوناً وإنتاجاً وتقدّماً وابتكاراً، وأصبح القائد الفذ (شبيه زايد) في حكمته وعزيمته وفكرته صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، ولي عهد أبوظبي، نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة، حفظه الله، مرجعية عالمية لاقتباس رأيه وحكمته في قضايا العالم الكبرى ومشكلاته الراهنة وتطوراته القادمة، وهو حفظه الله يجوب العالم بهويته الوطنية وبنبوغه الإماراتي يرسخ القيمة المضافة عالمياً لهذا الوطن وتفوقه.

يوم الثاني من ديسمبر نقل إنسان هذا الوطن إلى العالمية، وفتح له المسالك في كل شؤون الحياة كالمعرفة والتجارة والصناعة والعلاقات الدولية والدبلوماسية...وأضاء له آفاق المستقبل، وكان ذلك بالتعليم الذي رعاه القائد المؤسس طيب الله ثراه ويسهر عليه ويتابعه بكل أنواعه وأصنافه صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد، حفظه الله، وقد فتح أبواب هذا الوطن للنابغين والمتفوقين من جميع الأقطار العربية وغيرها، وأغدق بسخاء على التقدم العلمي الذي يرفع شأن الإنسان أو يخفف عناءه ومعاناته. وإن هذا الوطن قد أصبح بؤرةَ نورٍ وضياء وعطاء وبناء في العالم على الأصعدة كلها، بقيادة حكيمة تتمتع ببعد النظر وحسن الاختيار، وقوة التواصل الإنساني وتعطي النموذج العربي للعالم، وترسخ مكانة دولة الإمارات العربية المتحدة.

إن يوم الثاني من ديسمبر هو من أيام العرب المجيدة في التاريخ وسيبقى معقد عزّ وفخر، ومنطلق حضارة ومجد وسؤدد لأبناء الإمارات ولكل العرب حاضراً ومستقبلاً، لأنه أضاء تاريخ العرب الحديث ووضعهم على الطريق الصحيح.

وحقيق بنا أن نتذكر القائد المؤسس الشيخ زايد، طيب الله ثراه، في هذا اليوم وغيره بجلائل أعماله وكبير آثاره، وكذلك إخوانه المؤسسين الرواد، ونضرع إلى الله أن يعلي مقامهم في الصالحين، وأن يحفظ (شبيه زايد) خصالاً وفعالاً الشيخ محمد بن زايد رائداً عالمياً ويحفظ القيادة الرشيدة، ويحفظ هذا الوطن وأهله.

المستشار الدكتور/ فاروق محمود حمادة*

المستشار الديني بديوان ولي عهد أبوظبي.