في صباح أحد الأيام القليلة الماضية، بعد ليلة أرق أذكاه الخوف على تنشئة أطفال في مجتمع ينهار، فتحت عيني وبدأت أقرأ عن مساعي «الجمهوريين» في ويسكونسن للسيطرة على انتخابات الولاية، ثم توقفت حتى تنتظم ضربات قلبي. الانغماس في غمرة الأنباء جزء من عملي، لكن القيام بهذا في الآونة الأخيرة غدا رعباً يتملّك الجسمَ كلَّه. ولو كانت هذه مشكلاتي ببساطة لكتبتُ عنها في صحيفة ما وليس في «نيويورك تايمز»، لكن اليأس السياسي قضية تشغل الحزب الديمقراطي برمته.

وبعد خروج دونالد ترامب من البيت الأبيض، كان من المتوقع أن ينسحب «الديمقراطيون» من الاشتباك السياسي المحموم والمتواصل. لكنْ هناك انسحاب يحدث الآن، من متابعة الأنباء إلى العمل النشط، وفي بعض المناطق، من التصويت الذي يمثل تحاشياً أكثر من كونه ناتجاً عن الركون إلى الراحة. وجانب من هذا يمثل عرَضاً لآثار إنهاك جائحة «كوفيد-19». لكني أظن أن جانباً منه يتعلق باليأس المتصاعد الناتج عن الشعور بأن خروج ترامب من السلطة لم يعط الديمقراطية الأميركية إلا مهلة وجيزة.

واسترجاع ذكريات ما مضى يوضح أن أحد الجوانب الإيجابية في رئاسة ترامب أنه كان من الممكن التطلع إلى مستقبل يستطيع فيه الأميركيون إنهاء هذه الرئاسة. وكان «كوفيد-19» يبدو ذات يوم شيئاً سنتمكن، إلى حد كبير، من نبذه خلفنا حين نحصل على لقاحات. ومن المؤكد أن الترامبية، مثل الجائحة، ستتلكأ في جر أذيالها. فقد كان من السهل تخيل عالم أفضل بكثير بعد الانتخابات وتنصيب الرئيس الجديد والتوافر الكبير لجرعات اللقاح. وقد تجاوزنا كل هذا الآن، لكن الحياة الأميركية ما زالت مروعةً عموماً.

ويستخدم صديقي كريس هاييز، مقدم البرامج في شبكة «إم. سي. إن. بي. سي»، عبارة «الشعور السيئ» لوصف أنواع معينة من القصص المتعلقة بالتفكك الديمقراطي لأميركا. وقد صرح لي قائلاً: «الشعور السيئ هو شعور داخلي بأننا لسنا على ما يرام وليس من الواضح أننا سنكون على ما يرام». والمشكلة ليست مقتصرةً على أن استطلاعات الرأي التي تشير، الآن على الأقل، إلى أن الناخبين يريدون تسليم الكونجرس إلى حزب اعتبر المشاركين في تمرد السادس من يناير أبطالاً.

وهذا مثير للقلق، لكنه مألوف إلى حد كبير نظراً لميل الناخبين الأميركيين إلى التحرك ضد الحزب الذي يمسك بالسلطة. والمثير للخوف هو أنه حتى إذا استعاد «الديمقراطيون» الثقة الشعبية، فسيتمكنون من الفوز بأصوات أكثر من تلك التي يحصل عليها «الجمهوريون»، لكنهم مع ذلك سيخسرون. فالتلاعب في رسم حدود الدوائر الانتخابية يكفي وحده لأن يغير تشكيلة مجلس النواب.

فقد أقرت ولاية نورث كارولاينا (خسرها الرئيس جو بايدن بفارق 1.3 نقطة مئوية) خريطة تعيد رسم الدوائر ستخلق عشرة مقاعد جمهورية وثلاثة ديمقراطية ومقعداً تنافسياً. وذكر موقع «فايف ثيرتي آيت» أنه يتعين على الديمقراطيين «الفوز في نورث كارولاينا بنسبة 11.4% كي يفوزوا بنصف مقاعد الكونجرس». وهناك قضايا مقدَّمة في القضاء ضد الخريطة، لكن المحكمة العليا التي يسيطر عليها المحافظون، رغم فوز «الديمقراطيين» بالتصويت الشعبي في سبع من الانتخابات الثماني السابقة، دمروا القيود الدستورية على التلاعب بترسيم الدوائر الانتخابية. والوضع أسوأ في مجلس الشيوخ، حيث يهدد الاستقطاب الجغرافي بمنح الجمهوريين ما يقرب من المساواة في المجلس.

لقد كتب زميلي «عزرا كلاين»، الشهر الماضي، يقول إن خبير البيانات الديمقراطي ديفيد شور يتوقع أنه إذا فاز «الديمقراطيون» بنسبة 51% في التصويت بين الحزبين عام 2024، فإنهم سيخسرون سبعة مقاعد من إجمالي عدد المقاعد التي لديهم الآن. والجمهوريون يتخلصون من المسؤولين المحليين الذين حافظوا على نزاهة انتخابات 2020 ويستبدلونهم بمسؤولين يمثلون أداةً طيعةً. من الصعب على الجمهوريين سرقة انتخابات 2024 صراحةً، لأنهم لا يسيطرون على الإدارة الحالية، لكن بوسعهم الزج بها في فوضى قد تتسبب في اضطرابات مدنية واسعة النطاق.

وإذا فازوا، فمن الصعب تخيل قبولهم للانتقال السلمي مرة أخرى للسلطة. ويلمح الحزب الجمهوري بالتخويف العنيف لأعدائه السياسيين. فأثناء الحملة الرئاسية السابقة، حاولت قافلة من الجناح اليميني إخراج حافلة لحملة بايدن الرئاسية عن طريقها، وأشاد السيناتور ماركو روبيو بهم. وطلب أعضاء من هيئة إدارة المدارس ومن مكاتب الصحة العامة مساعدةً من وزارة العدل للتعامل مع وابل التهديدات والتحرشات. وصرَّح ثلاثة أعضاء جمهوريين في الكونجرس باستعدادهم لتدريب المراهق كايل ريتنهاوس الذي قتل شخصين ضمن محاولة قوميين بيض تنفيذ القانون من تلقاء أنفسهم العام الماضي.

ونشر أحد هؤلاء «الجمهوريين»، وهو النائب بول جوسار، مقطع رسوم متحركة على تويتر تصوره وهو يقتل النائبة «الديمقراطية» الكسندريا أوكاسيو كورتيز، ودعمته الأغلبية الساحقة من تكتله. إنني أتطلع إلى المستقبل وأرى حكماً دون مراجعة من أشخاص يوافقون على إرهاب الليبراليين أو يرحبون بمن يقوم بهذا. وهذا ليس حتمياً، فقد تعيد أحداث غير متوقعة تشكل الائتلافات السياسية. وقد يحدث شيء ما يعرقل هذا الوضع الكارثي. ومدى قبول هذا الاحتمال يتوقف على مزاج المرء. ونظراً للمسار الكئيب الذي تسلكه السياسة الأميركية، أخشى انسحاب التقدميين إلى حياتهم الخاصة للمحافظة على سلامتهم العقلية. وهذا الانسحاب يعجل بتفسخ الديمقراطية. وكي ندفع بالناس إلى الكفاح حتى يحافظوا على هذا البلد المتصدع، نحن بحاجة إلى زعماء يمكنهم إقناعهم بأنهم لم يخسروا المعركة بعد.

*صحفية أميركية

ينشر بترتيب خاص مع خدمة «نيويورك تايمز»

Canonical URL: https://www.nytimes.com/2021/11/22/opinion/american-democracy.html