المواطنة الشاملة تواصلٌ وتوافق وتواشج بين الوجود والوجدان، ونقطة تفعيل للوعي، وتوقدٌ لمعانٍ سامية مختلجة في النفوس، فكما أن الوجود كلي وفضاء للفعل الإنساني تشترك فيه كل الأشياء لأنها كلها موجودة، فإن سؤال الوجدان هو وعي وشعور وإدراك وإرادة وفكر سابق للوجود.

والإنسان كيفما كان ركن أساس في المواطنة الشاملة، والشعور بالذات شعور بوجود الإنسان المؤثر المشارك والمتشارك، وكما يقول علماء أصول الدين بأن: (عدم‌ الوجدان‌ لا يدلّ على‌ عدم‌ الوجود.) بيد أنه من دون وجدان يكون الوجود شكلياً، ومن هنا ندرك أن الانتماء والولاء وحب الوطن والدفاع عنه، والحفاظ على وحدته أهداف مشتركة وجدانية لها أثرها الفاعل في الحفظ الوجودي والعدمي للإنسان.

وهذا كله يحيلنا على مبدأ الموازنات والتوازنات في دائرة المواطنة الشاملة، بين نطاق الظواهر ونطاق أرحب وأعمق وهو عالم الوجدان الذي هو ينبوع الأفعال ومنطلقاتها، وبين الإلزام والفضيلة، وبين الوجوب والاختيار، ليكون وجودنا ووجداننا متصالحاً ومنسجماً، لا متناقضاً حاداً متوتراً متنازعاً، روحياً ونفسياً، بل تواصلٌ بين الوجدان والوجود، والعلم والعمل، والظاهر والباطن، وهذه هي أقصر الطرق للمواطنة الشاملة والمواطن الصالح والمجتمع النافع، الذي تُمثل تجربة دولة الإمارات الأنموذج الأرقى والأسمى في مفاهيمه ومعانيه.

إن تجربة دولة الإمارات في المواطنة الشاملة تجربة ثرية، فهي التي انطلقت قبل أكثر من خمسين سنة من «الإمارات المتصالحة» إلى ما هي عليه اليوم «دولة الإمارات العربية المتحدة»، مما يدل على سبق السلام مع الذات والتسامح مع النفس والتصالح. وعندما نقف عند تجربة دولة الإمارات ندرك أنها حالة استثنائية في المنطقة لريادتها وسبقها وتقدمها وتطورها، فالمواطنة الكاملة هي شعار مميز لهذه الدولة، يميز المجتمع الإماراتي وقيادته الفذة وتاريخه وحضارته ورؤيته المستقبلية.

إن مفهوم المواطَنة في دولة الإمارات وفق هذا التصور متقدم ومتطور جداً، حيث أصبح من المسلمات الوطنية، والثوابت العقدية المتأسسة على قيم الولاء التي لا مجال للشك فيها، فهو راسخ في وجدان هذا الشعب والمجتمع وثقافته، فهو إرادة قبل أن يكون حقاً منظماً بالقوانين والمواثيق، وهو ثقافة وطنية متوارثة محمية، واستجابة شعبية، ورؤية دولة وقيادة، واختيار وخيار أوحد لمسار السلم والتسامح والتعايش لا يوازيه مسار آخر حتى يمكن الارتداد عنه.

- فشمولية مُواطَنة دولة الإمارات أنها تستوعب الجميع دون إقصاء أو استبعاد.

- شمولية للتنوع والتعدد وقبول الاختلاف، لا التصادم معه. - شمولية في الانفتاح على العالم واستقبال المئات من الجنسيات على أراضي هذه الدولة.

- شمولية في ضمان الحقوق الإنسانية والاقتصادية والاجتماعية والدينية والثقافية والصحية والتعليمية وفق مسلمات الوطن وثوابته، وتوفير العيش الرغيد والرفاه والأمان والاطمئنان للجميع.

- شمولية في المساواة وعدم التمييز على أساس الانتماء الديني أو المذهبي أو العرقي أو الطائفي.  

  -شمولية في الحريات الدينية وحماية لدور العبادة وحقوقها المكفولة للجميع، ولا يوجد في قاموس دولة الإمارات أقليات، بل الجميع فيها أفرادٌ متساوون تحت قانون هذه الدولة.

نموذج الإمارات في المواطنة الشاملة يوحي إلى هذا المفهوم بمحددات منهجية عميقة، ويجعل منه أداة بناء لا يُستغل بتمرير أجندات التشغيب والضرر، فالمواطنة الشاملة في ثقافتنا وهويتنا الدينية والوطنية هي ولاء وانتماء وتضحية واحترام للدولة وللقيادة وللقانون، وحب للوطن والمجتمع والحفاظ على مكتسباته، فليست انتقادات واحتجاجات وثورات وتهييج للشباب والمجتمعات، فكل مُواطَنة تتخذ من هذا النهج وسيلة لها، فهي سبيل للخراب والنزاع والصدام، وذلك مخالف لأبجديات هذا المفهوم ومقتضياته.

* كاتب إماراتي