في غمرة السجال الذي لا ينتهي بين شركات التعدين العالمية وكثير من سكان بيرو، لا يريد خوليو جيليرمو نصيباً أكبر من الكعكة، بل غلْق المناجم في بلاده الواقعة في الجنوب الأوسط. ويقيم جيليرمو (49 عاماً)، مثل كثيرٍ من أقرانه من النشطاء المحليين، حجّتَه على أساس تلوث مجاري المياه، وهي الحجة التي ينفيها أصحاب المناجم، وعلى أساس حجة التصدي لها أصعب وهي أن أرضه في أياكوتشو مقدسة ولا مكان للتنقيب فيها عن الذهب والفضة. وقال جيليرمو إن «هذا يشبه تدمير معبدك ومعتقداتك».

لكن منهجه لم يجد الكثير من التأييد في ليما، حتى الآن. غير أنه مع تنصيب الرئيس بيدرو كاستيلو، وكان ناشطاً نقابياً في الريف من الحزب الماركسي، أصبح لدى جيليرمو حليفاً قوياً. والشهر الماضي أعلنت الحكومة بشكل غير متوقع عدم تجديد التصاريح لأربعة مناجم في أياكوتشو. وانخفضت بشدة أسعار الأسهم في شركة هوكستشايلد ماينينج. ثم تراجعت الحكومة فيما يبدو قائلةً، إنها قد تسمح بتوسعات لهذه المناجم، في انصياع لصناعة التعدين والأحزاب المحافظة.

ومع تصاعد الاحتجاجات في أماكن أخرى من البلاد التي هي من أكبر موردي النحاس والزنك والفضة، يخشى أصحاب المناجم من مستقبل ضبابي ينتظرهم في بيرو، المفضلة لدى الأسواق الصاعدة.

وأكد راؤول جاكوب، رئيس جمعية التعدين في بيرو وكبير المسؤولين الماليين في شركة «ساثرن كوبر كورب»، أن «الشركات بدأت تتساءل عما إذا كان البقاء في بيرو يستحق المشقة». ومضى يقول، إنه ما أن يتم حسم أحد النزاعات حتى يظهر نزاع آخر و«لا حل للمشكلة الجذرية». والمعركة على التعدين في أياكوتشو مثيرة للاضطراب بالنسبة للحكومة الجديدة وأيضا بالنسبة لأسواق المعادن الدولية التي تعتمد على مخزون بيرو الكبير للمساعدة في تلبية الطلب المتصاعد في عملية التحول عن الوقود الأحفوري.

ونجا كاستيلو بالفعل من محاولة توجيه الاتهام له من جانب أعضاء المعارضة في الهيئة التشريعية. وحاجة كاستيلو إلى استرضاء الفصائل الأكثر اعتدالاً في السياسة البيروفية جعله يخفف حدة لهجته فيما يتعلق بالموارد القومية. لكنها مناورة دقيقة، فهو بحاجة إلى دعم الفصائل الأكثر تشدداً في حزبه، وأيضاً إلى دعم الناخبين الريفيين الذين حملوه إلى السلطة.

وبالفعل فقد هددت جماعات منطقة أياكوتشو باستئناف الاحتجاجات. وفي ظل حكم كاستيلو، تصاعدت الصراعات الاجتماعية على المستوى القومي. وصناعة التعدين تلقي ببعض اللائمة على إعطاء إدارته الأولوية لحق الاحتجاجات على مصالح أخرى. وقد يكون سبب التأزم أيضاً «الجائحة» والآمال الكبيرة المعلقة على الحكومة الجديدة.

وترى صناعة التعدين أن المشكلة تبدأ بعدم كفاءة إنفاق أموال الضرائب التي تدفعها. وفي المناطق المعزولة ذات الخدمات والبنية التحتية الضعيفة، تصبح المناجم حكومات محلية بحكم واقع الحال، ومن ثم تصير هدفاً سهلاً للشكوى منها. وتوسطت شركتا «جلينكور» و«هدباي مينرالز» في الآونة الأخيرة، لحسم نزاعات التجمعات السكانية في مناجم بيرو، لكن شركة «إم. إم. جي» توقفت عملياتها بسبب متاريس الطريق التي أقامها أشخاص يعيشون على مسافة 200 كيلو متر ويريدون منافع أكبر.

وفي أكتوبر الماضي، كان هناك 148 نزاعاً نشط في بيرو كان من ضمنها إشعال النار في منجم. ويعمل في التعدين بشكل مباشر 240 ألف شخص في بيرو. والعام الماضي، مثّل التعدين 62% من الصادرات و8.8% من الإنتاج المحلي الإجمالي.

وتكشف بيانات حكومية عن مشروع خط أنابيب بأكثر من 50 مليون دولار مع تطلع شركات التعدين إلى الاعتماد على مخزون أعلى جودة وأقل تكلفة في المتوسط من ذاك الموجود على الجانب الآخر من الحدود الجنوبية في شيلي.

وبالنسبة للنحاس، فهذه الاستثمارات حاسمة للمساعدة في تلبية نمو الطلب المتوقع في عملية الانتقال إلى الطاقة الجديدة والنقل. وإقناع الناس بأن التعدين نعمة وليس خطراً قد يقرر مستقبل الصناعة. والنشطاء في أياكوتشو قد يحتاجون إلى كثيرٍ من الإقناع. ويرى جيليرمو أن الضرر البيئي متضافر مع الأضرار الثقافية. فقد باع والده وأعمامه أرضاً هي منجم ذهب وفضة الآن تديرها شركة «ساوث أميركا ماينينج انفستمنت»، وكانت الأرض تشكل جزءاً من طرق تجارة حضارة الإنكا.

ويؤكد جيليرمو أن ممارسات المقايضة وبقايا الآثار انتهت الآن، والأهمية الروحية للمنطقة في خطر. كما أكد أن السكان المحليين يعثرون دوماً على أسماك وأبقار نافقة، وأن بعض القرى لم تعد تشرب من جداول المياه.

ويؤكد المشرفون الأساسيون على تشغيل المنجم في أياكوتشو على أنهم يتصرفون بشكل مسؤول ويلتزمون باللوائح. وذكرت شركة «مينرا أبومايو» أن لديها علاقات جيدة بالسكان المحليين، بينما أدانت أعمال عنف ارتكبتها جماعات أخرى مشحونة سياسياً وتحث السلطات على التحقيق في مزاعم التلوث، مضيفةً أن الأنهار تحتوي بشكل طبيعي على معادن. وهذا لا ينطلي على «ميديتا هوايهوا» التي تقود معركة ضد التعدين في «شافينا» التي يفصلها بريبامبا التي يقطنها جيليرمو نحو ثلاث ساعات بالسيارة. وتلقي هوايهوا باللائمة على منجم «أبومايو» الذي يقع في أعلى مجاري المياه في التلوث الذي أصاب بلدتَها وتسبب في معدل مرتفع من أمراض فقر الدم والسرطان وسط السكان.

وتؤكد هوايهوا، وهي طبيبة جراحات سرطان الثدي سابقاً أن «الرئيس أعلن أن الشركات في قمة الحوض ستنسحب. نريده أن يفي بوعده».

ماريا ثربانتس وجيمس آتوود والفارو ليدجارد*

*صحفيون متخصصون في شؤون أميركا اللاتينية

ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»