كان صحفي الشؤون الخارجية جوشوا كيتينج يكتب سلسلة لحساب مجلة «سليك» تُدعى «لو حدث ذلك هناك»، يغطي فيها التطورات السياسية والثقافية في الولايات المتحدة بنبرة مراسل أميركي في الخارج يبعث رسائل من دولة على الجانب الآخر من العالم.

سلسلة كيتينج كانت في جزء منها عبارة عن سخرية من الاستعلاء والغطرسة الغربيين. غير أنه من خلال تسليط الضوء على هشاشة بيتنا الزجاجي المرعبة، كانت القصة المجازية تقدّم للأميركيين أيضاً الهدية القوية المتمثلة في المنظور.

وعلى سبيل المثال، تأمل كيف أبرز عنوان كيتينج حول وفاة قاضي المحكمة العليا الأميركية أنتونن سكاليا –«موت قاض متشدد يصيب النظام بالارتباك»– بشكل ذكي الاضطراب الغريب لنظام سياسي يستطيع فيه الموت المفاجئ لقاضٍ غير منتخَب إثارةَ جو من الشك وعدم اليقين بشأن حقوق أساسية عبر البلاد. وباعتباري مهاجراً إلى الولايات المتحدة من منطقة عانت طويلا من الاضطراب، وجدتُني أفكر في سلسلة كيتينج كثيراً هذا العام. ذلك أن تبنِّي وجهةَ نظر شخص من الخارج يساعد في توضيح الرهانات الرهيبة للعبة السياسية التي تتكشف حالياً عبر البلاد. لأنه لو حدثت الهجمات التي استهدفت الديمقراطية في أميركا خلال 2021 في بلد آخر، لكان الأكاديميون والدبلوماسيون والنشطاء حول العالم يعبّرون عن قلقهم بشأن الانحلال الواضح للبلد.

ولو كنتَ مراسلاً يلخص هذه اللحظة الأميركية للقراء في مدينتك في مومبياي بالهند أو جوهانسبرج بجنوب أفريقيا أو جاكرتيا بإندونيسيا، فإنك كنت ستتساءل حول ما إن كان البلد قد بات على شفا الهاوية: بعد عقد من الآن، هل سيقول العالم إن 2021 كان العام الذي أضاعت فيه أميركا الديمقراطيةَ؟ وإذا بدا لك أن في الأمر كثيراً من التهويل والمبالغة، فما عليك إلا تأمل الأحداث السيئة الكثيرة التي حدثت هذه السنة.

وابدأ بـ6 يناير بالطبع: «أتباع الرئيس المخلوع يقتحمون البرلمان الوطني (الكونجرس)». ثم عندما انقلب «الجمهوريون» في الكونجرس على تحقيق مستقل في الهجوم على مقر البرلمان، وعاقبوا الأقلية القليلة في حزبهم التي أيّدته: «منصاعة للرجل القوي، المعارضةُ تمنع تحقيقاً في انقلاب وتطرد منشقين»، أو عندما عمدت المجالس التشريعية التي يقودها الجمهوريون في أكثر من اثنتي عشرة ولاية، وبالرغم من عدم تقديمها أي دليل على حدوث اختلالات انتخابية حقيقية في انتخابات 2020 الرئاسية، بالدفع بقوانين جديدة لتقييد حقوق التصويت، ومن ذلك بعض الولايات التي وضعت مسؤولين حزبيين على رأس إدارات الانتخابات: «مشرّعون في بعض الولايات الأميركية يغيّرون قوانين الانتخابات لترجيح كفة رئيس مخلوع». أنا يساري قح، ولكني أريد التأكيد على أن قلقي هنا ليس قلقاً حزبياً محضاً، إذ هناك بعض المجالات، حيث يعبث «الديمقراطيون» أيضاً بالنظام الانتخابي بطريقة حزبية.

ففي إيلينوي، مثلا، أعاد الديمقراطيون رسمَ دوائر الكونجرس من أجل ترجيح كفة حزبهم بشكل كبير. ومن بعض النواحي، تُغضبني هذه الممارسات أكثر من الحيل والمناورات الجمهورية لأنها تُضعف مكانة اليسار الأخلاقية لدعم نزاهة الانتخابات. والحال أن دعم نزاهة الانتخابات ينبغي أن يكون هدفاً رئيساً لأنه من دونه تنهار فكرة أميركا، أي فكرة أن هذه دولة قوانين من الشعب ومن أجله.

لكن هناك سبب آخر يجعلني مستاءً من اليسار أكثر من اليمين: فالجمهوريون يتصرفون بشكل غير أخلاقي، ولكن أيضاً بشكل عقلاني بسبب الضرورة السياسية، لأنهم يرون ائتلافَهم يتقلص. ذلك أن القاعدة الجمهورية بيضاء ومسيحية في دولة تزداد تنوعاً ويقلّ تديُّنُها. فمنذ عام 1992، خسر الحزبُ التصويت الشعبي في كل الانتخابات الرئاسية باستثناء مرة واحدة. ويبدو أن فرصَه باتت تعتمد على تقليص الوصول إلى مكاتب الاقتراع، وفي حال فشل ذلك، على تبني استراتيجية انتخابية أوضحها دونالد ترامب في عام 2020: عندما لا تذهب النتائج في الاتجاه الذي تريده، فادفع في اتجاه قلبها. وبالمقابل، يعتمد بقاء الديمقراطيين على الفكرة العكسية تماما: على السماح للناس بالتصويت، وإحصاء أصواتهم، واحترام الإحصاء.

وبهذا المعنى، ينبغي أن تكون الجهود الديمقراطية الرامية إلى توسيع حقوق التصويت ودعمها عاجلة على غرار الجهود الجمهورية الرامية لتقييدها. غير أن ذلك ليس هو واقع الحال: فإذا كان الجمهوريون قد وضعوا إضعاف الديمقراطية على رأس أجندتهم السياسية، فإن الديمقراطيين يبدو أنهم وضعوا حقوق التصويت في أسفلها. لكن، إذا فشل الديمقراطيون في دعم نزاهة انتخاباتنا، فماذا بعد؟ شخصياً، أخشى خسارة تامة، ليس للحزب وإنما للبلد. ذلك أنه إذا فاز الجمهوريون ستصبح أميركا واحدةً من تلك البلدان البعيدة التي تبدو خارجة عن القانون، وحيث تصبح كل الانتخابات محل تشكيك، وحيث لا يظل أي جزء من ثقافتنا السياسة فوق الصراع الحزبي. «إن الأمر أشبه بسفينة تايتانيك»، تقول بيبا نوريس، أستاذة العلوم السياسية بجامعة هارفرد التي كانت من بين الموقعين على رسالة تحث على تمرير «قانون حرية التصويت»، مضيفةً: «إننا نعرف أن هناك جبلاً جليدياً في البحر.

ونحن ننظر إليه الآن. إنه أمام ناظرينا ويقترب تدريجياً». والديمقراطيون لديهم فرصة ضيقة الآن لـ«الاعتراف بالتهديد الوجودي الذي يحدق ليس بحزبهم وإنما بالبلد برمته»، مضيفة: «لكنهم إن لم يفعلوا ذلك، فإن السفينة ستصطدم بجبل الجليد!».

*صحافي أميركي

ينشر بترتيب خاص مع خدمة «نيويورك تايمز»

Canonical URL: https://www.nytimes.com/2021/12/08/opinion/the-year-america-lost-its-democracy.html