في هذه الفترة من تاريخ منطقة الخليج العربي، يمر مجلس التعاون الخليجي بمرحلة جديدة من الرغبة الصادقة في إعادة اللحمة الخليجية إلى سابق عهدها، والبناء على ما تم تحقيقه خلال الأربعين سنة المنصرمة. تأتي هذه الفكرة ومصداقية الطرح المتفائل والمستبشر بالخير الذي تحتويه من مؤشرات مهمة أهمها الجولة الخليجية الناجحة التي قام بها صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان، وعقد مؤتمر القمة الخليجية الأخيرة في الرياض.

والحقيقة أن مثل هذه الأحداث التي تجمع القادة الخليجيين مع بعضهم بعضاً دائماً تبشر بالخير وتبعث إلى التفاؤل، لأنه في الثقافة السياسية العربية الخليجية تؤدي مثل هذه الاجتماعات إلى حل أصعب المشاكل، التي قد تطرأ بين الأشقاء في علامات دولهم ببعضها بعضاً، وتزيح العديد من الصعاب التي تشوبها.

من بواعث سرور عرب الخليج أن يروا قادتهم وقد اجتمعوا على طاولة نقاش ومفاوضات واحدة، لكي يتداولوا ويتناقشوا في القضايا المهمة التي تطال دولهم وشعوبهم، وقد جاءت قمة الرياض الخليجية لهذا العام، وقد حضرتها جميع الدول الست دون استثناء، وعلى أعلى مستويات حضور ممكنة.

في علم السياسة في شقه الخاص بالعلاقات الدولية يوجد عدد متزايد من الأدبيات العلمية التي تلقي الضوء على الأهمية المتجددة للمنظمات الإقليمية في السياسة الدولية، والكثير منها يشير إلى تراجع قوة الدولة الوطنية في مقابل أدوار المنظمات الإقليمية متعددة العضوية، وإلى أن ذلك يحدث نتيجة لعمليات العولمة المتسارعة التي تحتم وجود حاجة لكي تقوم المنظمات الإقليمية بأدوار أكبر من تلك التي تقوم بها الدول كل منها على حدة، خاصة من زاوية المبادرات التي تقوم بها هذه المنظمات لجلب وتجميع الدول الإقليمية في محافل على الصعد الاقتصادية والأمنية.

إن تعريف هذه الحاجة الملحة لتجميع الدول في منظمات لا يمكن القيام به دون الأخذ بعين الاعتبار الطبيعية المحددة للدول المكونة للمنظمات الإقليمية التي تلج في أي مشروع إقليمي كمجلس التعاون الخليجي على سبيل المثال. الدول ربما تقوم أو تحاول القيام بنفس الوظائف، لكنها تقوم بذلك بطرق مختلفة جداً انطلاقاً من بواعث ثقافية ومؤسسية وربما قانونية، وهذا ينعكس في طبيعة مواقفها والتزاماتها الإقليمية، وحالة دول مجلس التعاون الخليجي ليست استثناءً من وجهة النظر هذه.

وعبر المسار الطويل من التعامل مع العديد من قضايا مجلس التعاون الخليجي يتضح أنه من الصعب فهم مسار وأداء المجلس خلال الأربعين عاماً أونيف التي مضت دون وجود فهم واضح للوسائل التي تُصنع بها السياسة في الخليج العربي على المستوى الداخلي لدول التعاون الست. التحركات الأخيرة لدول المجلس لرص الصفوف من جديد تفصح عن أنه عند عمل المجلس كأداة لتسوية الخلافات بين أعضائه، فإنه ناجح جداً كأداة دبلوماسية فعالة على الصعيد السياسي، وهذا الأمر يجب أن لا يتم النظر إليه بأنه شأن مستغرب رغم أن مسألة السيادة الوطنية لكل دولة تطفو على السطح كأمر حساس لا يجب الاقتراب منه وتحرص عليه كل دولة على حدة.

ويعود السبب في ذلك إلى عدم وجود آلية متفق عليها تعمل كأداة موحدة يتم من خلالها تجاوز هذه العقدة من خلال اضطلاع الأمانة العامة للمجلس بها.

أما على الصعيد الخارجي، بمعنى علاقات دول المجلس منفردة أو مجتمعة بالأطراف الخارجية الأخرى، فإن المسألة مختلفة، حيث تتوحد مواقف الجميع غالباً تجاه أي طرف خارجي. فعلى سبيل المثال خلال تسعينيات القرن العشرين، وقف الجميع ضد الغزو العراقي للكويت صفاً واحداً إلى أن تم تحريرها، ولعب المجلس دوراً مهماً أيضاً في الجهود المتجددة دبلوماسياً في وضع احتلال إيران جزر الإمارات الثلاث أبو موسى، وطنب الكبرى، وطنب الصغرى في موضع الأولوية القصوى كمسألة يجب حلها بالطرق السلمية والدبلوماسية. وقياساً على مثل هذه الأحداث والمواقف، فإن المتوقع هو عودة فعالية المجلس وأهميته إلى الواجهة من جديد لأنه أثبت صلاحيته كأداة دبلوماسية مفيدة لجميع أعضائه في أوقات الشدة، فهو أداة تسمح لأعضائها كدول مستقلة أن تمارس وسائلها الدبلوماسية الخاصة على أساس أحادي، في الوقت نفسه، الذي هي فيه أداة جامعة ومظلة يجتمع الأعضاء الستة تحتها لكي يمارسوا دوراً متحداً وقوياً لتحقيق مصالحه.

د. عبدالله جمعة الحاج* 

* كاتب إماراتي