جاء إطلاق المشروع الذي أعده «مركز الإمارات للدراسات والبحوث الاستراتيجية»، بمشاركة مؤسسات ثقافية وأكاديمية وإعلامية وخبراء، تحت إشراف سمو الشيخ عبدالله بن زايد آل نهيان وزير الخارجية والتعاون الدولي، وبتشجيع من قيادتنا الحكيمة، مع اختتام الإمارات احتفالاتها بـ«اليوبيل الذهبي» في عيدها الوطني الخمسين وولوج الخمسين عاماً الجديدة من عمر الدولة، وقد أصبح تسوده الحكمة والاستشراف للمستقبل من أعلى.
مركز الإمارات بخبرته الطويلة في الدراسات والبحوث الاستراتيجية، استطاع بجدارة تقديم نتاج فكري متنوع ومتعدد منذ تأسيسه في 14 مارس 1994، فحري بنا أن نرجع جهود التأسيس والبناء ومواصلة التطوير إلى معالي الدكتور جمال سند السويدي. 
اختيار تسمية «مفكرو الإمارات» لها دلالة لغوية ومعرفية وفلسفية، بحكم أن كلمة «مفكر» رفيعة وسامية في معناها، من حيث أن كل مفكر مثقف وليس كل مثقف مفكراً. المفكر يحتاج المثقف لأن الأخير يقوم بإظهار أفكاره ونقلها إلى المجتمع. 
المفكر شخص غاصَ في عمق الأفكار، وتعرّف عليها بدقة، ثم استطاع أن يكّون منها شبكةً (مولِِّدَةً) تقود إلى أفكار جديدة. إذن المفكر هو مَن ينتج أفكاراً جديدةً نستطيع أن نصفها بأنها مواكبة للواقع ومرتبطة بالمرحلة ومناسبة لها. بهذا التوصيف المتقدم، اختار المركز تسمية «مفكرو الإمارات» وليس مثقفي أو باحثي الإمارات، وهو يضع هدفاً بعيداً ليكون «أيقونة» رفيعة تشكل مستهدفات المركز المستقبلية، أي أن عين الباحث والمثقف والأكاديمي مصوبة نحو هذا المصطلح المحفّز، مما يشجع على البحث وسبر الأغوار وقلب الصفحات، وخاصةً نحن نعيش في عصر «اللحظية»، حيث ما أن تلامس الجهاز حتى تجد المعلومات والأفكار أمامك.
وفي السياق ذات، نشير إلى مبادرة «خبراء تريند» العالمية، التي أطلقها «مركز تريند للبحوث والاستشارات»، والتي ضمت لفيفاً من سفراء سابقون لهم خبرات تراكمي في تخصصاتهم وآخرين من مثقفين وباحثين إماراتيين.. ونتطلع إلى أن تلحق مراكز بحثية إماراتية أخرى لهذا المسار.
أمّا وقد علّق مركز الإمارات هذا العِقد الثمين الذي يحيط بعنق المثقفين والمفكرين، فيمكن للمركز أن يعرض على من ينضم لمنصة المشروع، موضوعات معينة مما يخدم الإنسان الإماراتي ومجتمعه، بصورة جماعية أو منفردة، لإنتاج أفكار جديدة مبتكرة وتقديم مقترحات وحلول موضوعية، مستقاةً من مبادئ الخمسين عاماً المقبلة.
ويمكن كذلك أن يستفيد المفكرون والأكاديميون والمثقفون والخبراء الإماراتيون من التحولات الثقافية والمعرفية والنقلة النوعية لدولة الإمارات، وهي تتخطى عامها الخمسين، وقد دشنت في ذلك مبادرات رقمية تستهدف تعزيز البيئة الاستثمارية عبر خطوات التحول الرقمي المتواصل.
إن مشروع مفكري الإمارات يتوافق في سياقاته مع التحولات الاستراتيجية الوطنية للحكومة الرقمية لدولة الإمارات 2025، واستراتيجية الإمارات للخدمات الحكومية، واستراتيجية الإمارات للذكاء الاصطناعي، واستراتيجية الإمارات للثورة الصناعية الرابعة، والأمن السيبراني 2019، والكثير من المبادرات الأخرى الموجهة للارتقاء بمستوى الحياة في الإمارات.
وقد أخذ مشروع مفكرو الإمارات زخماً إعلامياً وصدىً لدى الوسط الثقافي والأكاديمي والمهتمين بالشأن العام. هذا المشروع وحاضنته، مركز الإمارات للدراسات والبحوث الاستراتيجية، سوف يدعم المثقفين والأكاديميين ليرتقي بهم إلى مصاف المفكرين.
دولة الإمارات، وهي في الخمسين الثانية، تسير بخطى ثابتة وقوية وروح إنسانية متسامحة، ترحب بما سيقدّمه أبناؤها من المفكرين من استشارات تساعد على صنع القرار وآراء واقتراحات ورؤى إيجابية بنّاءة.


سفير سابق