عندما تقرأ تاريخ ما بين الشَّرق الأقصى، وكثافته بالصِّين، والأدنى حيث العالم الإسلامي، تجده سلسلة مِن الحروب والغزوات، فلا تأمل وجود بقايا حياة ثقافيَّة، وعلى الرّغم مِن ذلك ظل طريق الحرير سالكاً بحراً وبراً، الكاغد والحبر يأتي مِن الصِّين «ذخرا المثقف»، مثلما أشارت لوحات معرض «التِّنين والعنقاء»، المفتوح في مُتحف لِوُفر أبوظبي (حتَّى فبراير/2022). 
عرف المسلمون الصِّين مكاناً قصياً، فضرب ببعده المثل، قيل: «اطلبوا العِلم ولو بالصِّين»(موضوع حسب كتاب الموضوعات لابن الجوزي)، أمَّا ابن حزم(ت: 456هج)، فيرى الصّين أقصى ما يكون مِن الأرض: «أرى دارها في كلِّ حينٍ وساعةٍ/ ولكنَّ مَن في الدَّار عني مغيبُ/ فيا لك جارُ الجنبِ أسمع حسه/ وأعلم أنَّ الصِّين أدنى وأقربُ»(طوق الحمامة). 
غير أنَّ ما يصلنا اليوم مِن الصِّين مِن صناعات في مختلف الفنون والحاجات، وأصبحت مهيمنة بأسواقنا، كان المسلمون الأوائل يعرفونها، فهذا أبو القاسم الزَّمخشري(ت: 538هج) يقول: «الصِّين موصوفة بالصِّناعات الدَّقيقة، والتَّصاوير العَجيبة، يفصل مصورهم بين ضحك الشَّامت والخجل والهازئ والمسرور»(ربيع الأبرار). وكتب ابن الأثير(ت: 637هج): «فُطر أهل الصِّين على الإحسان في صنعة اليد، في ما يباشرونه مِن مصوغ أو خشب أو فخار»(المثل السَّائر). مِن صناعات الصِّين، التي عُدت مِن العجائب: «طاحونة يدور حجرها التحتاني، والفوقاني ساكن، ويخرج مِن تحت الحَجر دقيق لا نخالة فيه، ونخالة لا دقيقة فيها»(القزويني، آثار البلاد). 
مِن الآثار التي عُرضت، وتحت عنوان «قرون مِن الإلهام بين الثَّقافتين الصِّينيَّة والإسلاميَّة» مجاميع مِن الخزفيات التي يعود زمنها إلى السَّلاجقة، وهم ببغداد(447- وحتى لقرنين)، ومخطوطات مزركشة مِن القرآن الكريم، وما يتعلق بالرسومات التي تصور الديانة البوذية، وخزف الصِّيني، نُقش عليه آيات وأشعار بالعربيَّة والصِّينيَّة. 
إذا كانت الصِّين قد ركزت على أُسطورة كائن التنين، ركز العرب المسلمون أسطورتهم على كائن العنقاء، ومُثل الكائنان في أغلب الزخرف الصِّيني: الغضائر الصِّينيَّة والأباريق والأطباق. 
كانت مقابلة ذكية، فالعنقاء حسب التصور الإسلامي: طائر عظيم الجثة، لها بطن كبطن الثور، وبيضها يشبه الجبال، يُسمع لطيرانها دوي كدوي الرَّعد وهدير السَّيل تعيش ألف سنة، ولا تتزاوج إلا وعمرها خمسمائة سنة(القزويني، عجائب المخلوقات)، وبالمختصر معروفة الاسم مجهولة الجسم، وهذا ينطبق على الكائنات الأُسطوريَّة كافة، وفي المثل: «أغرب مِن عنقاء»(السّيوطي، المزهر). وللمعري(ت: 449هج): «أرى العنقاء تَكبر أنْ تُصادا/فعاند مَن تُطيقُ له عنادا»(سقط الزّند). 
يقابل العنقاء أسطورة الجو، أسطورة البحر عند الصينيين التّنين، وكأن الأسطورتين اكتساب أو توارد خواطر، وكان التنين معروفاً، في التُّراث العربي، كائناً عملاقاً «لا يمر بشيء إلا هلكه»، يشبهونه بالحيّة العظيمة لها رأسان، يذكره النّاس ولم يروه(الجاحظ، الحيوان)، له أسنان كالرِّماح، إذا تحرك يموج البحر(عجائب المخلوقات). قيل: «وليّ لم يظلم وهل ظلم أمرؤ/حث النَّجاء وخلْفه التنينُ؟»(أبو تمام مادحاً الأفشين). 
أحسب أنَّ التِّنين والعنقاء مِن الدِّيناصورات، تناقلت الأجيال أخبارها، بعد انقراضها، فتحولت إلى كائنات عجائبيَّة، هذا ما تُجيب عليه اكتشافات هياكلها العملاقة، الزَّاحفة كالتِّنين، والطَّائرة كالعنقاء. 
أقول: كم مضى على هذه التَّصاوير والزخارف والمخطوطات مِن دهرٍ دهير، خلاله شيدت دول وانهارت في حروب هتكت شعوباً وبلداناً، لكنها ظلت شاهداً على أنَّ الثَّقافة إنسانيَّة تُصلح خراب الكراهيات، ولا يمنعها اختلاف الديانات والألوان. هذا ما فهمته مِن لقاء أسطورتي التِّنين والعنقاء.
كاتب عراقي