لم يكن مُتصوراً عند توقيع اتفاق الصُخيرات في عام 2015 أن الشعب الليبي سيبقى في انتظار انتخابات يُقرر فيها مصيرَه حتى اليوم. ولهذا يمكنُ فهم المخاوف من أن يطول الانتظارُ مرةً أخرى بعدَ تأجيل الانتخابات التي كان مُقرراً أن تُجرى الشهر الماضي، وإن كان هناك مَن يرون أن المُهم هو توفيرُ الظروف التي تضمن إجراءها في الموعدِ الجديد الذي سيُحدَّد لها، حتى وإن تأخر بعض الشيء.
فقد أصبحَ تحقيقُ تطلعات ما يقربُ من 3 ملايين ليبي كانوا مُستعدين للتوجه إلى مراكز الاقتراع واجباً وطنياً، وليس سياسياً فقط، على مختلف الفُرقاء الليبيين، وواجباً أخلاقياً على الأمم المتحدة والقوى الدولية المعنية، التي تتكلمُ أكثرَ مما تفعل. وبات الحفاظُ على حماس الناخبين الليبيين ضرورياً، لكي لا ينتشر الإحباطُ إذا طال أمد الإعداد للعملية الانتخابية مُجدداً.
وقد قُرع أول ناقوس خطر تعبيراً عن القلق في «منتدى توحيد كلمة أهل الجنوب» الذي عُقد في مدينة سبها مطلع الشهر الجاري. وخلاصة ما انتهى إليه المشاركون فيه، وبينهم مرشحون لمجلس النواب، هو القلق من إطلاق مرحلة انتقالية أخرى يطولُ أمدُها. 
ولكن ما الذي يدعو إلى هذا القلق؟ سؤالٌ مشروعٌ ربما يبدأُ جوابُه بملاحظة تراجع الزخم الانتخابي، الذي كان قد بلغ أوجه قُبيل تأجيل الانتخابات، والعودة إلى طرح مُقترحات مختلفة، ومتعارض بعضها، بشأن خريطة طريق جديدة. ويمكن التمييز بين مُقترحات تتضمن تعديلاً جزئياً في الخريطة الحالية، وأخرى تنطوي على تغيير جوهري فيها ويُعد مُقترحاً إجراء الانتخابات النيابية أولاً، وإجراء الانتخابات بشقيها الرئاسي والنيابي معاً في اليوم نفسه، أهم مُقترحات التعديل الجزئي. وبعيداً عن تقييم جدوى أيُ من هذين التعديلين، فهما لا يحتاجان سوى تعديل جزئي لقانوني الانتخابات الرئاسية والنيابية، لكن العيبَ الأساسيَ في مُقترح الانتخابات المُتزامنة هو صعوبةُ إجرائِها في يومٍ واحد، لأن الوقتَ الذي يحتاجُه كلُ ناخبٍ داخل مركز الاقتراع سيتضاعف، فيما يصعبُ التأكدُ من ضمان عدم العبث ببعض الصناديق التي يتعين أن تُغلق في نهاية اليوم الأول، وتُفتح في بداية اليوم الثاني.
أما المُقترحاتُ التي تنطوي على تغييرٍ جوهريٍ فأهمُها إجراء استفتاء أولاً على الدستور، لإجراء الانتخابات على أساسه. وعيب هذا المُقترح أنه يُطيل الوقت اللازم للإعداد للانتخابات مُجدداً، لكن فائدته تكمن في أن وجود دستور ربما يُوفرُ أجواءَ أفضلَ لأنه سيُحددُ صلاحيات كل من الرئيس والحكومة والبرلمان، ويُزيل بالتالي التباسات تتسببُ في بعضِ جوانبِ الصراعِ الذي يُعطلُ إجراءِ الانتخابات.
وفي كل الأحوال يظلُ للقلق على الانتخابات أساسُ في الواقع، وربما يزدادُ هذا القلقُ في الفترة المقبلة. ولهذا يتعين التوصلُ إلى تفاهمٍ سريعٍ بقدرِ الإمكان على خريطة الطريق لطمأنة الليبيين إلى أن تقدماً يحدثُ، وكذلك للحفاظ على تطورات إيجابية حدثت في العام الماضي والبناء عليها. وعلى كلِ من يريدُ مصلحةَ ليبيا والمنطقة أن يُصارحَ الفرقاءَ فيها بضرورة الإسراع إلى تفاهمٍ يُحددُ الاتجاهَ الذي ستمضي فيه البلاد.

*مستشار مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية