الحديث عن أي شخصية سياسية وعسكرية غالباً ما يكون سهلاً، فمعظم القادة السياسيين والعسكريين حول العالم، يمكن قراءة فلسفتهم وفكرهم، والاطلاع على مسيرتهم ورصد إنجازاتهم وتسجيلها وتحليلها ومناقشتها وتوثيقها في دراسات وكتب ومقالات، لكن الحديث حول فكر ورؤية وفلسفة صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان ولي عهد أبوظبي نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة «حفظه الله»، وتأمل سيرة وفكر وفلسفة سموه السياسية والاقتصادية والعسكرية وكذلك الاجتماعية والثقافية والرياضية وغيرها، فليست مسألة سهلة أبداً، فهي مادة نموذجية ثرية بالرؤى والعمق وبالخبرات والتجارب الناجحة المتفوقة والإنجازات التاريخية، لا يمكن تلخيصها أو اختزالها.

إضافة إلى ذلك، فإن أبعاد ومداخل قراءة سيرة وفكر وفلسفة سموه لا يمكنها أن تجري حسب مفاهيم التحليل التقليدية، بل يجب أن تتبع مداخل فريدة ومتميزة تلائم فكر سموه الاستراتيجي، والتي لم يتمكن كثير من كتّاب ومحللي الغرب فهمها، فمعظمهم يذهبون إلى قراءة وتحليل مواقف سياسية معينة، وقد يتمكن البعض، أحياناً، من جمع بعض المواقف السياسية والمحطات التي جعلت من القائد محمد بن زايد يصل إلى العالمية خلال سنوات قليلة، لكنهم في النهاية، لن يتمكنوا من تحديد جميع مناطق القوة التي صنعت منه حكيماً قبل أن تصنع منه قائداً فذاً.

يصف الدكتور جمال سند السويدي في كتابه «بصمات خالدة.. شخصيات صنعت التاريخ وأخرى غيَّرت مستقبل أوطانها صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، بأنه «فخر الإمارات»، وأن سموه (نموذج للقائد الذي يجمع بين السمات القيادية والإنسانية العميقة والتواضع والهيبة والحب الشعبي الجارف، وتجسيد حي لمقولة العرب «الرجال مواقف»، حيث تؤكد أفعاله ومواقفه أنه عنوان للقيادة المبدعة في المجالات كافة، فهو سياسي حكيم، وعسكري محنَّك، ورياضي يملك أخلاق الفرسان وسلوكياتهم، وقائد تتجمع حوله القلوب والعقول، وصاحب رؤية واضحة للحاضر والمستقبل وفهم عميق للعالم من حولنا. وفوق هذا وذاك، فإن سموه لديه ثقة مطلقة بقدرة أبناء دولة الإمارات العربية المتحدة على صنع المعجزات، وإيمان تام بأن التقدُّم ليس حكراً على أحد، وإنما هو لمن يملك أسبابه ويعمل بجدٍّ من أجل الوصول إليه»).

مدخل السويدي في وصف سموه، يتيح للباحثين المهتمين للاطلاع على الرؤية التنموية لصاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، ومعرفة أن سموه «يؤمن بأن المواطن الإماراتي هو أساس أي تخطيط للحاضر أو المستقبل، وأن «أبناء الإمارات هم أساس الوطن وعماده، وليس النفط»، وانطلاقاً من هذه الرؤية، يضع سموه المواطن على قمَّة أولوياته، ويرى أن التعليم هو حجر الأساس القوي لتنمية الثروة البشرية الوطنية، ولجميع الخطط التنموية والاستراتيجية، وشريان التنمية المستدامة، والطريق الأمثل نحو رقي الشعوب ورفعتها، ويشدِّد دائماً على أن دولة الإمارات العربية المتحدة تضع آمالها وتطلُّعاتها في الأجيال المتسلحة بالمعرفة والعلوم الحديثة.

إن منارة الإرث الفكري والإنساني العظيمة التي حصل عليها صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان من «حكيم العرب» المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان «طيب الله ثراه»، هي المدخل الأول لتتبع النهج القيادي اللافت الذي طوره سموه خلال رحلته إلى جانب الوالد المؤسس، قبل تخرجه عام 1979 في أكاديمية ساندهيرست العسكرية الملكية في المملكة المتحدة، حيث تلقى تدريبه هناك على سلاح المدرعات والطيران العامودي والطيران التكتيكي والقوات المظلية، بل منذ طفولته الأولى التي تابع فيها بهمة عالية القائد المؤسس وهو يبذل الغالي والنفيس لتوحيد الإمارات المتصالحة وإعلان الاتحاد، ويستقي من ذلك النبع الحكيم أفضل ما يمكن أن تنتجه المدارس السياسية والعسكرية من صفات وسمات قيادية مبكرة قادرة على نسج وصياغة شخصية من طراز لا مثيل له.

لا بد لنا من وقفة أو وقفات كثيرة، نقرأ ونناقش ونحلل من خلالها، كل ما كُتب وقيل عن صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، وكل ما قدمه سموه من رؤى وأفعال سبقت الأقوال التي صنعت مجد الإمارات ونهضتها الحضارية، بإرساء أمنها واستقرارها وتفوق قوتها السياسية والاقتصادية والعسكرية، وتحولها إلى قوة إقليمية قائدة رائدة في المجالات المختلفة.

* لواء ركن طيار متقاعد