تتباين الرؤى في إسرائيل بين مستوين في التعامل مع مستجدات الحالة الإيرانية بصرف النظر عن نجاح أو فشل المفاوضات في فيينا، خاصة مع إعلان رئيس الوزراء الإسرائيلي، نفتالي بنيت، أن إيران تتصدر قائمة التحديات لإسرائيل، وأنه قلق من إدارة مفاوضات فيينا الساعية لإحياء اتفاق 2015.
وقد تزامن ذلك مع تكرار الخطاب السياسي بضرورة التوصل لاتفاق يمنع إيران من حيازة قدرات نووية، إلى جانب فرض قيود على تطوير منظومة الصواريخ الباليستية، ومنع التموضع في سوريا، ومنع نقل أسلحة تغير التوازن إلى «حزب الله» و«حماس»، والتوقف عن السعي في نشر الإرهاب، وأنه في حال عدم تحقق ذلك، فإن إسرائيل معنية بإعداد خطة تشمل خياراً عسكرياً فعالاً من أجل تحقيق أهداف إسرائيل، وحشد أكبر عدد من الدول من أجل محاصرة المشروع الإيراني، كما تنطلق الخطة الإسرائيلية بضرورة مواجهة إيران على جبهات أخرى، وعدم حصر التهديد الإيراني في الملف النووي فحسب، وإنما ممارساتها العدوانية في المنطقة أيضاً، وإقناع الدول المشاركة بضرورة وضع سقف زمني للمفاوضات، في ظل القلق من استمرار اتصالات الدول الكبرى والولايات المتحدة في مفاوضات مفتوحة.
علي جانب آخر يؤيد قطاع في المستوى الأمني والسياسي في إسرائيل التوصل لاتفاق مع إيران، ولكن أن يكون اتفاقاً جيداً، يتضمن كل ما يتعلق بالرؤوس الصاروخية وتطوير الصواريخ الباليستية، ومنع تخصيب اليورانيوم، وهو ما قد يضمن عدم وصول إيران إلى القنبلة النووية، ويستهدف هذا المستوى تجاوز معضلة معسكر المعارضة التي يقودها رئيس الوزراء الإسرائيلي السابق نتنياهو، والتي يعتمد في مناورته على المزايدة على أداء الحكومة تجاه المسألة الإيرانية.
في المجمل ستظل إسرائيل ترفض العودة للاتفاق الأصلي، مثلما تريد واشنطن، حيث سيعني ذلك تمكين إيران من الاقتراب لهدفها الخاص ببناء القنبلة النووية، حتى ولو لم تكن تنتهك الاتفاق حيث سيؤدي انتهاك الاتفاق من قبل إيران لتقليص الفترة الزمنية للوصول لهدفها، لكن حتى ولو التزمت بالاتفاق النووي ستصل لهذا الغرض، لكن في فترة زمنية أطول، خاصة مع عدم حظر أنشطة البحث والتطوير الخاصة بأجهزة الطرد المركزي المخصصة لتخصيب اليورانيوم، هذا بخلاف أن قيوداً كثيرة على البرنامج النووي الإيراني، في ظل الاتفاق النووي ستضيق بمضي الوقت وصولاً إلى عام 2025، ولاشك أن ضبط العلاقة الأميركية الإسرائيلية يمثل ورقة ضغط مهمة لواشنطن، كما سيساهم في منع الصراع الإيراني الإسرائيلي إلى حرب مفتوحة من خلال احتمالات توظيف إسرائيل للضوء الأخضر الممنوح لها أميركياً لمهاجمة المصالح، والوكلاء في المنطقة دون ضوابط. 
وبرغم كل ما سبق، فإن إسرائيل تأمل في نجاح إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن في تحقيق إنجاز في المفاوضات يسمح للقيادة الإسرائيلية الراهنة بتسويقه للرأي العام الداخلي مع استمرار تفضيل الأجهزة الأمنية الإسرائيلية وضع أنشطة إيران النووية تحت إشراف دولي بدلاً من أن تمنح القوى الكبرى إيران الفرصة لتطوير مشروعها النووي إذا فشلت مفاوضات فيينا الراهنة، وقد أبلغ رئيس جهاز الاستخبارات العسكرية الإسرائيلية «آمان»، أهارون حاليفا، المجلس الوزاري المصغر مؤخراً أنه من الأفضل لإسرائيل التوصل إلى صفقة بين القوى الكبرى، وإيران بشأن الاتفاق النووي، واعتبار الاتفاق النووي أفضل لإسرائيل من انهيار المحادثات النووية، وعدم التوصل إلى اتفاق، الأمر الذي يشير إلى تحول لافت في موقف المؤسسة العسكرية الإسرائيلية مع استمرار منع إيران تطوير صواريخها الباليستية، أو تسخين شبكة وكلائها الإقليميين.
‌ اللافت أن التغيير في التقديرات الإسرائيلية الأخيرة شمل أيضاً تطورات الموقف الإيراني. وبعدما كان التقدير في إسرائيل يُفيد بأن إيران غير جادة وتستغل المفاوضات في فيينا من أجل كسب وقت للتقدّم في البرنامج النووي، بات التقدير الاستراتيجي في إسرائيل أن إيران معنية بالتوصل لاتفاق.
ويبقى التساؤل الإسرائيلي استراتيجياً وسياسياً: ما هو المضمون الملزم؟ وما هي مساحات المراوغة الإيرانية المعتادة في مراحل التفاوض التالية، حيث ستظل إسرائيل تبحث في خياراتها، ولن تذهب لمواجهة عسكرية إلا بعد أن تقدر خسائرها قبل مكاسبها أولا.

أكاديمي متخصص في الشؤون الاستراتيجية والعلوم السياسية.