يعاني لبنان من الانهيار الشامل في كل المرافق، ولهذا كان الحرص العربي على المصالح اللبنانية هو ما دفع بوزير الخارجية الكويتي إلى زيارة بيروت في 22 يناير المنصرم، ومعه ورقة (رسالة كويتية وعربية ودولية) هي بمثابة إنذار مقترن بوعد.
قال وزير الخارجية الكويتي أحمد ناصر المحمد الصباح: إن المقترحات والأفكار في الورقة تأتي ضمن إجراءات بناء الثقة بين دول الخليج العربي ولبنان. وأكد أن رد المسؤولين في لبنان على الورقة الكويتية يعد خطوة إيجابية لصالح هذه الإجراءات.
رد الحكومة اللبنانية على الرسالة الناصحة ملخصه: «كما ترون.. لا نستطيع أن نفعل الكثير..». وكان الرد من دول الخليج العربي، أن «رأيكم قيد الدرس».
نرى أن هذا الملف برمته قد يتأخر حله، إلى حين. وكان الهدف من تقديم الورقة الكويتية، أن تكون الحكومة اللبنانية جزءاً من الحل، لا أن تكون رهينةً عند الثلث المعطِّل.
دول الخليج تسلمت رد لبنان على مقترحات نزع التوتر، وستدرسه قبل تحديد الخطوة المقبلة، بالنظر إلى وجود مقاطعة عربية (خليجية خاصة) للبنان بسبب تدخلات «حزب الله» اللبناني المسلَّح في اليمن، ومحاولاته تصدير المواد الممنوعة إلى المملكة العربية السعودية وباقي دول الخليج العربي، بالإضافة إلى ممارساته الأخرى المخلة بالأمن الخليجي.
تقديم الورقة الخليجية سلّط الضوء مجدداً على المشكلة الأمنية والسياسية الناجمة عن التصرفات غير المسؤولية لمليشيا «حزب الله» تجاه الدولة اللبنانية، والتي شلت علاقاتها الاقتصادية والمالية والتجارية مع دول الخليج العربي، مما جعل بلاد الأرَز في أسوأ حالاتها.
كان بالإمكان توظيف انفجارات مرفأ بيروت، وما نتج عنها من دمار بشري ومادي، لجلب تضامن إقليمي ودولي مع لبنان بغية إخراجه من المستنقع الذي أدخله فيه «حزب الله»، لكن الحزب واصل سياساته الطائشة والمستفزة، ليثبت أن الأجندة الإقليمية لمموليه أهم بالنسبة له من لبنان!
ويُفهم من الورقة الكويتية أنها تخاطب الحكومة اللبنانية، وتطالبها بالعمل على كفّ الأذى الذي يسببه الحزب المسلَّح. وإذا أراد اللبنانيون استعادة دولتهم ونظامهم وسيادتهم، فالعرب ينصحونهم بالعودة للالتزام باتفاق الطائف، وبقرارات الشرعية الدولية ذات الصلة بلبنان، وخاصة القرارين 1559 و1701، إذ ينص الأول على حلّ المليشيات المسلحة، ويطالب الثاني بخلوّ جنوب لبنان من أي سلاح عدى سلاح الجيش والقوات الدولية.
وتذكّر الورقة، بأن اللبنانيين كانوا قد اتخذوا، في القصر الجمهوري عام 2011، قراراً بالنأي عن النزاعات الإقليمية.
في مقابل ذلك قال الوزير الكويتي إنّ العرب لن يتركوا لبنان، وإنهم يريدون الإصلاحات الضرورية التي تؤهّل لبنان لتلقّي المساعدات الدولية والعربية.
واقع الحال يضع الشعب اللبناني وحكومته أمام أبواب موصدة، ويبقى وميض أمل في الانتخابات البرلمانية اللبنانية المقبلة، والتي يخشى «حزب الله» وحركة «أمل» من نتائجها، إذ ستفضح وزنهم الحقيقي الذي لن يتيح لهم السيطرة على مقدرات الشعب اللبناني، مما سيشكل نقطة تحول، على غرار ما حدث في العراق، لصالح الأغلبية اللبنانية. وهو تغير في التوازنات الحزبية داخل البرلمان اللبناني، سيؤدي لتعطيل «الثلث المعطِل».
وما يزال سعد الحريري وأنصاره في «تيار المستقبل» يمثلون جزءاً مهماً في التركيبة السياسية القائمة في لبنان. فهو الممثل الأبرز للسنّة الذين يشكلون ثلث السكان، وقد ازداد شعورهم بالضياع وسط الانهيار، مقارنةً بأحوال الطوائف اللبنانية الأخرى. لكن التساؤل هو: هل تقدم دول الخليج العربي دعماً لتيار المستقبل، ولو في الحد الأدنى، كي يحافظ على جذوته لحين إجراء انتخابات تعيد توازنها للحياة السياسية اللبنانية!


سفير سابق