فتح تفكك الاتحاد السوفييتي المجال لخمس عشرة دولة، بينها أوكرانيا، للحصول على الاستقلال والاعتراف الأممي، في مرحلة أشبه باعادة الهيكلة الروسية، في مواجهة صراع الهيمنة الدولية. حافظت روسيا على مكانتها الدولية، وتأثيرها على القرار السياسي الدولي، وتعد أحد أهم مصنعي التسلح عالمياً، وغنية بامدادات الطاقة والنفط والغاز، ومتقدمة علمياً وتقنياً على جميع الأصعدة، وأحد أهم الدول في مجالات الفضاء.

وبرغم انفصال أوكرانيا عنها، ومحاولات القوى الغربية وأمريكا، استدراج أوكرانيا إلى حلف الناتو، بغرض استفزاز الكرملين، ظلت علاقات الشعوب متماسكة ومستمرة، بحكم هيمنة الثقافة واللغة الروسية. تستغل إدارة بايدن الأزمة الروسية الأوكرانية من أجل الانتخابات النصفية القادمة، وللتغطية على موقفها الضعيف في المفاوضات حول الاتفاق النووي مع إيران، بينما أوروبا في حرج، لأنها تدعم انفصال أوكرانيا، بينما لها مصالح مهمة مع روسيا، لأنها تعتمد على إمدادات الغاز، ولا شك أن موسكو تستغل ضعف جميع الأطراف، لتحجيم القيادة الأوكرانية. وهنا يقودنا التساؤل عن أسباب حشد روسيا آلاف الجنود على الحدود مع أوكرانيا، والذي أثار ردود فعل دولية كبيرة، قد تكون حقيقية، أم تستغل لإثارة الخوف حول نشوب حرب.

ولذلك، لا بد من تلخيص أسباب التصعيد الروسي، في تخلي الرئيس الأوكراني فلاديمير زيلينكسي عن اللغة الروسية، التي يتحدث بها حوالي 30%؜ من الشعب الأوكراني، وتراجعه عن اتفاق مينسك، ومطالبته بإجراء تغييرات عليه، كما دعا إلى قبول عضوية أوكرانيا في حلف الناتو، الأمر الذي ترفضه روسيا بشكل قطعي، وأثار غضب الكرملين عندما قرر إغلاق عدة محطات تلفزيونية، تتلقى من وجهة النظر الأوكرانية، تمويلاً من موسكو. ومن جانب آخر، تعتمد أوروبا على الغاز الروسي، بنسبة تصل إلى 40%، ولذلك تشهد دول أوروبية عديدة تهديداً حقيقياً، إن قررت روسيا قطع الغاز عنها، أو نفذت نواياها في توجيه جزء من إنتاجها إلى الصين.

ولذلك، جاء التنسيق الأميركي الأوروبي المكثف، في محاولات لوضع استراتيجية بديلة، حال قيام روسيا بقطع الغاز، في مواجهة مع أميركا ودول أوروبا، الذين لوحوا بوضوح، بفرض عقوبات مشددة على الرئيس بوتين بشكل شخصي، أو روسيا كدولة، بشأن الأزمة مع أوكرانيا.

كما هددت واشنطن، بعدم تشغيل خط الأنابيب «نورد ستريم 2» بين روسيا وألمانيا، حال قررت موسكو شن عمل عسكري على أوكرانيا، وبرغم عدم وضوح الرؤية الألمانية في هذا الجانب، في ظل قيادة ألمانية جديدة برئاسة المستشار الألماني أولاف شولتس.

يُجري قادة العالم جهوداً كبيرة لنزع التوتر، وتجنب صراع سينعكس سلباً على العالم بأسره، وبغض النظر إنْ كانت الأزمة روسية- أوكرانية وحسب، أم حرب غاز بين الشرق والغرب، أم صراع الهيمنة القطبية بين الدول العظمى على الخريطة السياسية والاقتصادية، فلا أعتقد أن هناك من يريد نشوب حرب، بل جميع الأطراف المعنيين بالأزمة الأوكرانية، يتفقون على خفض التصعيد.

*إعلامية وكاتبة بحرينية.