ما بين أوكرانيا وروسيا أزمة تم الانتقال فيها من الأزمة إلى الحرب، بعد أن قرر فلاديمير بوتين مهاجمة أوكرانيا عسكرياً، إذ تفيد الشهادات والتقارير الواردة من هناك بتنفيذ أعمال قصف تستهدف الموانئ والمطارات والبنى التحتية العسكرية.

ما هو هدف روسيا من ذلك؟ ألا تكون لدى أوكرانيا عسكرياً القدرة على التدخل ضد انفصاليي منطقة دونباس. ولتبرير التدخل الروسي، يشير بوتين إلى استهدافات- غير موجودة- ضد الانفصاليين. والحال أن أوكرانيا بلد عدد سكانه 44 مليون نسمة، وبالنظر إلى الصعوبات التي واجهها الأميركيون في أفغانستان والعراق، وهما بلدان أقل سكاناً، بوسعنا أن نتساءل حول ما إن كانت لدى بوتين حقاً النية في الذهاب حتى كييف؟

روسيا يمكنها أن تستفيد من دعم بعض الأوكرانيين الموالين لروسيا والمستعدين للتعاون معها، ولكنها ستجد نفسها في مواجهة أوكرانيين مستعدين للقتال، ليس من الجيش النظامي فحسب ولكن أيضاً من وطنيين ومقاومين. روسيا بالطبع قادرة على دفع جنودها لأوكرانيا من أجل تجنب وجود لحلف الناتو هناك.

وهذا ما حدث بالفعل، غير أنه بسبب ذلك أصبح الشعور القومي الأوكراني معادياً لروسيا، لعدة أجيال على الأقل. بعد الضغوط، وبعد التوترات، وبعد الأزمة، أتت الحرب. تصعيد لن يستطيع الأوكرانيون نسيانه، غير أنه في الوقت نفسه، عزّز متانة التحالف الأطلسي، الذي صار أقوى وأكثر تماسكاً من أي وقت مضى. ثم إنه فضلاً عن زيادة نفقات البلدان الأوروبية العسكرية، فإنه قد يكون من عواقب الوضع في أوكرانيا انضمام فنلندا والسويد إلى الناتو.

ومن جهة أخرى، يمكن القول إن التقارب مع الصين والمباحثات بين البلدين باتا من الآن فصاعداً يصب في مصلحة بكين أكثر. وأخيراً، هناك المسألة الأساسية بالنسبة لبوتين، ألا وهي مسألة الرأي العام الروسي. ذلك أنه إذا كان ضم شبه جزيرة القرم قد قوبل بترحيب واحتفاء في روسيا، فإن الاعتراف بالجمهوريتين الانفصاليتين في دونباس تم في ظل لامبالاة نسبية. الروس لديهم عائلات وأقارب في أوكرانيا ويشعرون بأنهم قريبون من أوكرانيا، ولا يرغبون في رؤية أبنائهم يموتون من أجل الهجوم على أوكرانيا. هذا الثمن الإنساني يمكن أن يثني بوتين عن الذهاب في منطقه الحربي حتى نهايته والانتقال إلى ما هو أبعد من قصف أوكرانيا.

وعلى كل حال، فإنه لن يحصل على معدل ارتفاع الشعبية الذي ينتظره في روسيا. ذلك أن بوتين قد يكون ذهب إلى أبعد مما ينبغي في نظر الرأي العام الروسي. من المهم ألا يكتفي الغربيون برد غربي، بل ينبغي أيضاً الترافع أيضاً أمام البلدان الأفريقية والأميركية اللاتينية والآسيوية، من خلال التأكيد على أن الأمر لا يتعلق بمعركة بين الغرب وروسيا، ولا بمعركة بين أنظمة الديمقراطيات ونظام آخر، وإنما بمعركة من أجل القانون الدولي الذي بات مهدَّداً. إنها لحظة دقيقة وخطيرة. وأوكرانيا ستدفع ثمن ذلك، وأوروبا ستدفع ثمنه، وكذلك روسيا.