حدث ما تمنى العالم ألا يحدث، وقامت روسيا بالفعل بالهجوم على أوكرانيا مما وضعها في مواجهة عسكرية مع الجيش الأوكراني، إضافة إلى مواجهة أكبر اقتصادياً وسياسياً ودبلوماسياً مع معظم دول العالم بقيادة الولايات المتحدة الأميركية.

وبالرغم من اعتقادي بأن احتمالات ذلك الغزو كانت ضئيلة لأسباب اقتصادية وعسكرية وسياسية، إلا أن اتخاذ الرئيس الروسي فلاديمير بوتين قرار الهجوم جاء متوافقاً تماماً مع تقارير حلف «الناتو»، التي أكدت الاستعدادات العسكرية الروسية للهجوم منذ عدة شهور، ولعلها كانت التقارير التي نصبت الفخ لروسيا لدخول مستنقع أوكرانيا كما ذكرت بعض التحليلات.

وبالرغم من النفي الروسي المتكرر للتقارير الغربية، إلا أن قرار الهجوم على أوكرانيا تم اتخاذه وأعلنت القيادة الروسية عن ضرورة تحقيق عدة شروط مقابل وقف عملياتها العسكرية وهي الاعتراف بشبه جزيرة القرم أرضاً روسية، ونزع سلاح أوكرانيا واجتثاث ما يسميه الرئيس الروسي بوتين «النازية» من أوكرانيا وتعهد حلف «الناتو» بعدم إنشاء أي بنية عسكرية في أوكرانيا.

ولقد أدى الهجوم إلى تعرض روسيا لأكبر عقوبات اقتصادية في العصر الحديث، سواء من الولايات المتحدة الأميركية أو مختلف دول العالم، وتبع ذلك عقوبات تجارية ورياضية وتكنولوجية، بجانب صدور قرار من 141 دولة في الجمعية العامة للأمم المتحدة يُستنكر فيه بشدة الهجوم الروسي لأوكرانيا، كما قامت ألمانيا بوقف العمل في خط الغاز «نورد ستريم 2» القادم من روسيا إلى أراضيها مباشرة، الأمر الذي أدى إلى إفلاس الشركة السويسرية المشغلة للخط وذلك في الوقت الذي أعلنت فيه روسيا وضع قوات الردع النووي لديها في حالة تأهب.

وفي خضم التصعيد العسكري الروسي، يشهد العالم ارتفاعاً غير مسبوق في أسعار مشتقات النفط والطاقة وخاصة في أوروبا، ونقصاً حاد في منتجات غذائية رئيسية وأبرزها القمح والذرة، مع هبوط في أسعار الأسهم الأوروبية، الأمر الذي يعني أن تأثير العقوبات تجاوز روسيا ليصل إلى منْ قام بفرض تلك العقوبات. وهنا يتبادر للذهن تساؤلان مهمان، أولهما، حول مستقبل أوكرانيا في حال نجحت روسيا في تحقيق أهدافها العسكرية؟

والثاني: منْ المستفيد الحقيقي من المواجهة بين روسيا وحلف «الناتو» على أرض أوكرانيا؟ والإجابة على التساؤل الأول تأتي في ظل الرفض الأميركي والأوروبي التدخل عسكرياً لدعم أوكرانيا والاكتفاء بالعقوبات خوفاً من المواجهة العسكرية المباشرة مع روسيا، والتي ستؤدي، بلا شك، إلى حرب عالمية ثالثة.

ولذلك فإن نجاح روسيا في السيطرة على أوكرانيا سوف يؤدي إلى تحقيق شروط المنتصر، وهي حيادية أوكرانيا وفرض السيطرة الروسية على مزيد من الأراضي الأوكرانية بحجة حماية المتحدثين باللغة الروسية، واحتمالية تنصيب حكومة موالية لموسكو تضمن عدم دخول كييف الاتحاد الأوروبي وحلف الناتو.

أما التساؤل الثاني، فإن المستفيد الحقيقي من استنزاف روسيا عسكرياً واقتصادياً؟ هي الصين التي لم تشارك الغرب في فرض العقوبات على موسكو وستكون لها الهيمنة الاقتصادية الأبرز في السنوات القادمة، في حال تدهورت الأوضاع الاقتصادية في أوروبا والولايات المتحدة الأميركية، نتيجة التأثير العكسي للعقوبات المفروضة على روسيا.

فالصين، التي ما زالت تستقبل الغاز والنفط الروسي، تراقب سياسة الولايات المتحدة الأميركية في حصار روسيا اقتصادياً وتجارياً لكي تضع هي الأخرى استراتيجية لمواجهتها والتخفيف من تداعياتها عندما تُفرض عليها في حال وقوع تصعيد بشأن تايوان، وهو الأمر الذي سوف يحدث لا محالة وسيستغرق وقتاً أقل بكثير مما استغرقته روسيا في أوكرانيا.

* باحث إماراتي