تَصادفَ تَرؤُّسُ دولةِ الإمارات العربية المتحدة مجلسَ الأمن الدولي مع انطلاق العملية العسكرية الروسية في أوكرانيا، بينما تواصل بعض الأطراف اتصالاتها وتحركاتها الدبلوماسية من أجل وقف إطلاق النار. ودولة الإمارات بصفتها عضواً في مجلس الأمن لمدة عامين، ومن خلال رئاستها له في شهر مارس الحالي، أصبحت معنيةً بالتحرك الأممي حول هذا الملف، وهي جديرة بذلك حقاً.
وتبذل الإمارات من خلال رئاستِها مجلسَ الأمن كلَّ ما بوسعها من أجل تشجيع الحلول السلمية للأزمة الأوكرانية، والعمل مع الأطراف المعنية لتحقيق السلام وتعزيزه.
وفي هذا الظرف الدقيق، ووسط انشغالات مجلس الأمن بأزمة أوكرانيا، نجحت دبلوماسية الإمارات في استخراج قرار مجلس الأمن رقم 2624 بموجب الفصل السابع، والذي أيدته 11 دولةً عضواً في المجلس. وكان الفاصل الزمني بين هذا القرار الصادر يوم 28 فبراير وبين تسلم الإمارات رئاسةَ مجلس الأمن 24 ساعة فقط، حيث نجحت الدبلوماسية الإماراتية بحنكة وسرعة قياسيتين في حشد تأييد روسيا وأميركا المتخاصمتين حول ملف أوكرانيا لتتفقا معاً على قرار المجلس المشار إليه آنفا والذي يصنِّف ميليشيا الحوثي «منظمةً إرهابية»، ويوسع نطاق الحظر الأممي عليها ليشمل القيادات والكيانات التابعة لها، مع تشديد حظر السلاح عليها. 
وفي إطار توازن العلاقات، نرى أنّ معظم دول مجلس التعاون الخليجي يرتبط أمنُها الإقليمي بالولايات المتحدة، لكنّها في الوقت ذاته تُنوِّع علاقاتِها مع منافسي أميركا في مجالات أخرى.. فتقيم علاقات مع روسيا في مجال الطاقة، حيث تقود الرياض وموسكو منذ سنوات تحالف «أوبك بلس»، بغية تحقيق استقرار في سوق أسعار البترول.
ونرى أن دول مجلس التعاون تتفق على تشخيص المشكلة وتتباين في مقاربتها؛ ففي اليوم الذي بدأت فيه روسيا عملياتها البرية والجوية في أوكرانيا، امتنعت هذه الدول عن انتقاد موسكو مباشرةً، واكتفت بإدانة العنف، بينما لم يعلّق بعضُها الآخر، ثم تجلت معالم ذلك الموقف في الامتناع عن التصويت في مجلس الأمن، وفي رفض الدعوات الأميركية لضخ مزيد من النفط لخفض أسعارها عالمياً، إذ اقترب سعر البرميل من 140 دولاراً لأول مرة منذ ثماني سنوات.
الموقف الإماراتي والخليجي جاء مفاجئاً ليس فقط للولايات المتحدة وإنما للأوربيين أيضاً، لكن دبلوماسياً قال لوكالة الصحافة الفرنسية إنه يرتبط بالرغبة في الحفاظ على إمكانيات «الحوار» بغية إيجاد حل سلمي للأزمة، مؤكداً أن الإمارات قلقة جداً من «العواقب الإنسانية» للنزاع.
إن موقف الإمارات راسخ إزاء المبادئ الأساسية للأمم المتحدة والقانون الدولي وسيادة الدول ورفض الحلول العسكرية. وفي الأزمة الأوكرانية تتمثل أولوية الإمارات في العمل على تشجيع جميع الأطراف لتبني خيار الدبلوماسية، والسير نحو التفاوض من أجل إيجاد تسوية سياسية.. فدولة الإمارات لديها علاقات مع كل من روسيا وأوكرانيا، وتتبنى موقفاً محسوباً في دعم الحوار والحل السلمي لهذه الأزمة.
والإمارات على صلة بجميع الأطراف، وتحاول التوفيق بين التزاماتها الدولية وبين مصالحها الوطنية، في علاقة توازن ومواءمة.. ورصيدها الإقليمي والدولي ومصداقيتها، كل هذا يؤهّلها لأداء دور إيجابي مرغوب فيه لدى جميع أطراف الأزمة، لاسيما أنها عضو في مجلس الأمن الدولي وتتولى رئاسته الدورية. 

سفير سابق