طه حسيب (دبي)

يحظى جناح السويد في معرض «إكسبو 2020 دبي» بإطلالة مبتكرة تعتمد بشكل أساسي على الأشجار وجذوعها التي تحيط بالجناح، وتجعله أشبه بغابة تزدحم فيها النباتات. رسالة واضحة تحملها تفاصيل الجناح، تتمثل في التناغم مع الطبيعة والحد من غازات الاحتباس الحراري، وتوظيف التقنيات في الصناعة لتصبح غبر معتمدة على الوقود الأحفوري.

  • السويد في «إكسبو».. تعزيز جهود الاستدامة العالمية
    تصميم جناح السويد في «إكسبو» مستوحى من الغابة وأشجارها الكثيفة.

 

تصميم الجناح لم يأتِ من فراغ، فلدى السويد رصيد كبير ومتنامٍ في حماية البيئة وسياسات الاستدامة، فهي أول دولة في العالم تطبق قانوناً لحماية البيئة منذ عام 1967، واستضافت السويد أيضاً عام 1972 أول مؤتمر للأمم المتحدة حول البيئة العالمية. ومنذ سبعينيات القرن الماضي، نجحت السويد في تنمية اقتصادها بشكلٍ كبيرٍ مع تقليل انبعاثات الكربون، والحد من التلوث وتخفيض انبعاثات الكربون.

  • السويد في «إكسبو».. تعزيز جهود الاستدامة العالمية
    العاصمة السويدية استكهولم

 

ويأتي أكثر من نصف إمدادات الطاقة الوطنية في السويد من مصادر الطاقة المتجددة، وضعت الحكومة السويدية أهدافاً طموحة للاستدامة، بما في ذلك التحول إلى بيئة خالية من الوقود الأحفوري بحلول عام 2045 وطاقة متجددة بنسبة 100 في المائة. وتأتي السويد ضمن المراكز العشرة الأولى في «مؤشر الأداء البيئي»، الذي يحظى باحترام عالمي، والذي أصدرته جامعتا كولومبيا ويل الأميركيتان، لما تتمتع به من هواء نظيف ومياه نظيفة وانبعاثات كربونية منخفضة. وعلى صعيد البحث العلمي، لدى السويد معهد استكهولم للبيئة، ومركز استكهولم للصمود في جامعة استكهولم. وبمحتويات تُحاكي الغابة، يجسد جناح السويد نمطاً معمارياً يحمل رسالة واضحة تطمح لبيئة تتنوع فيه الكائنات وتترابط.

  •  أدريانا هاكسهيمستافا
    أدريانا هاكسهيمستافا

 

وفي تصريح لـ«الاتحاد»، أكدت أدريانا هاكسهيمستافا المديرة الإعلامية لجناح السويد في «إكسبو 2020 دبي» أنه على الرغم من أن عدد سكان السويد لا يتجاوز عشرة ملايين نسمة، فإنها دولة رائدة في مجال الابتكار لا ينافسها سوى عدد صغير من الشركات العالمية الرائدة الملتزمة بالتعاون والاتفاقيات الدولية لجعل العالم أكثر استدامة اجتماعياً واقتصادياً وبيئياً. لذلك، يبدو من الطبيعي أن تكون السويد في طليعة جهود الاستدامة العالمية. البصمة الكربونية لصناعة الصلب وأضافت هاكسيمستافا أن صناعة الصلب واحدة من أكثر الصناعات التي تتسبب في انبعاثات ثاني أكسيد الكربون، والتي تمثل 7% من الانبعاثات العالمية، وفي الوقت نفسه، يتزايد الطلب على الصلب -وبالتالي، فإن البصمة الكربونية في هذه الصناعة تمثل تحدياً للعالم.

وتقول هاكسهيمستافا: في عام 2016، اجتمعت ثلاث شركات سويدية، هي «فاتينفول، وإل كي إيه بي، وإس إس إيه بي»، لتدشين مبادرة هايبريت (HYBRIT)، التي يمكن اعتبارها ثورة في صناعة الصلب من خلال استبدال الفحم بالكهرباء الخالية من الوقود الأحفوري والهيدروجين - وستكون النتيجة أول تقنية لصناعة الصلب خالية من الوقود الأحفوري، وبدلاً من ثاني أكسيد الكربون، سيكون الانبعاث ماء. والهدف هو الحصول على عملية خالية تماما من الوقود الأحفوري لصناعة الصلب بحلول عام 2035.

دعم الاتحاد الأوروبي

وحسب الموقع الإلكتروني للمبادرة، فإنها تتلقى الدعم من الاتحاد الأوروبي، وهي واحدة من ضمن 7 مشاريع ابتكارية واسعة النطاق في إطار صندوق الابتكار التابع للتكتل الأوروبي. ويستثمر الاتحاد الأوروبي بشكل إجمالي أكثر من 1.1 مليار يورو في المشاريع السبعة. ومن خلال تفعيل المبادرة، يمكن تقليل إجمالي انبعاثات ثاني أكسيد الكربون في السويد بنسبة عشرة بالمائة على الأقل. هذا يعادل ثلث الانبعاثات من الصناعة وقد يساعد في المستقبل في تقليل الانبعاثات من إنتاج الحديد والصلب على مستوى العالم. يُعد صندوق الاتحاد الأوروبي للابتكار أحد أكبر برامج التمويل في العالم لإظهار التقنيات المبتكرة التي تساعد في تقليل انبعاثات غازات الاحتباس الحراري.

وترتكز المبادرة على فكر بتطوير تقنية لتصنيع الفولاذ باستخدام غاز الهيدروجين بدلاً من الفحم، مما سيقلل خلال عمليات الإنتاج من انبعاثات ثاني أكسيد الكربون الضارة بالمناخ. مبادرة هايبريت هو مشروع الحديد والصلب الوحيد الذي حصل على الدعم في أول دعوة لصندوق الابتكار لمشروع واسع النطاق، في منافسة قوية للغاية، وهو اعتراف نعتقد أنه سيجذب أصحاب المصلحة الآخرين لمتابعة المشروع والمشاركة فيه. ولفتت هاكهيومستافا الانتباه إلى أن أول فولاذ خالٍ من الوقود الأحفوري سيُطرح في السوق في وقت مبكر من عام 2026. وستكون شركة «فولفو كارز» ومجموعة فولفو (فولفو جروب) أول المتعاونين مع شركة «إس إس إيه بي»، في الاتجاه نحو عدم استخدام الوقود الأحفوري.

ستقوم مجموعة فولفو بتصنيع أولى المركبات والآلات النموذجية باستخدام الفولاذ الخالي من الوقود الأحفوري هذا العام، وتهدف فولفو للسيارات إلى أن تكون أول شركة لتصنيع السيارات تستخدم الفولاذ الخالي من استخدام الوقود الأحفوري لإنتاج سياراتها الفعلية. بذور الخروع وعلى الرغم من أن الابتكار المستدام في فرع السيارات يمكن أن يتخذ أشكالاً عديدة، فإن بذورر الخروع تمثل واحدة من أكثر الحالات غير العادية. عن طريق ضغط هذه البذور، يتم إنتاج الزيت النباتي، ومنه يمكن اشتقاق الحمض الأميني 11. وعن طريق بلمرة الحمض الأميني 11، يمكن الحصول على مادة «البولي أميد» الحيوية بنسبة 11%. وتستخدم سيارات فولفو بالفعل هذه المادة في تطبيقات الوقود -وتحديداً في أنابيب الوقود –لأنها تقدم صفات سلوكية أفضل مقارنة بالبدائل القائمة على الوقود الأحفوري.

  • السويد في «إكسبو».. تعزيز جهود الاستدامة العالمية
    مبنى سارة كولتورهاوس تم تدشينه من الخشب في مدينة سكيلفتيا السويدية.

 

المستقبل للخشب

نأمل أيضاً أن نرى في المستقبل الخشب وهو يتم استخدامه كحل قابل لإعادة التدوير لصناعات أكثر ملاءمة للبيئة. يعد الخشب مادة طبيعية ومتجددة، ومثالية لتصنيع الملابس على سبيل المثال. العملية بسيطة للغاية، يتم تقطيع الخشب إلى قطع أصغر وغليه في لب السليلوز. يتم إرسال اللب إلى مصنع نسيج حيث يتم فصل الألياف، ونسجها في خيوط، وهذه الخيوط يتم نسجها في أقمشة، وفي النهاية، يمكن استخدام القماش في صناعة منتجات النسيج مثل الملابس. ومن اللب يمكننا أيضاً تصنيع الحفاضات وورق التواليت وصناديق الكرتون والصحف والضمادات الطبية. لكن استخدام الخشب لا ينتهي عند هذا الحد - يمكننا أيضاً استخدام الخشب للبناء بشكل مستدام باستخدام الخشب المصفح المتقاطع، الذي نمت شعبيته في السويد ويستخدم لمنازل الأسرة والمدارس والمستشفيات والبنية التحتية مثل الجسور -وحتى لإنشاء مبنى مكون من 20 طابقاً، مثل مبنى سارة كولتورهاوس (مبنى ثقافي) في مدينة سكيلفتيا السويدية.

  • السويد في «إكسبو».. تعزيز جهود الاستدامة العالمية
    استخدام الخشب في البناء خطوة مهمة لتخفيض الانبعاثات.

 

وترى «هاكسهيمستافا»، أن الميزة الرئيسية للبناء بالخشب تكمن في الحد من التأثيرات السلبية التي تساهم في تغيير المناخ -حيث تكون هذه الآثار ضئيلة للغاية. وبدلاً من إطلاق ثاني أكسيد الكربون في الغلاف الجوي، كما هو الحال في المواد القائمة على استخدام الوقود الأحفوري، فإنه يحبس الغازات المسببة للاحتباس الحراري ويخزنها في المبنى. وهذا يغير قواعد اللعبة بالنسبة للصناعة، ويغير تطوير كيفية بناء مستدام.وأكدت أدريانا هاكهيومستافا: «إننا بحاجة إلى تغيير منظورنا بشأن الموارد لمواجهة تحديات تغير المناخ بشكل فعال».