تبدو تأثيرات الحرب في أوكرانيا مرعبة على كل المستويات. وتداعياتها السلبية، بل والكارثية، ستطال كل شيء تقريباً.

ولعل من أخطرها تعزيز التطرف والإرهاب ليس في منطقة «أوراسيا» فقط، بل وأوروبا والعالم أيضاً، بالنظر إلى التقارير التي تتحدث عن جماعات وأفراد متطوعين أو مجندين للقتال إلى جانب طرفي الصراع. فما تداعيات هذه الحرب الكارثية على نشر التطرف، وهل يشهد العالم موجة جديدة، ولكن مختلفة من الإرهاب؟ هناك علاقة قوية بين الإرهاب والحروب أو الصراعات، حيث تشير الدراسات إلى أن نحو 97 بالمئة من قتلى الإرهاب تسجّل في مناطق النزاعات. فالنزاعات تعدُّ مناطق خصبة لتفريخ الإرهاب وظهور نزعات التطرف بمختلف أنواعها الدينية أو القومية أو العنصرية.

ولا يبدو أن الأزمة الأوكرانية استثناء، فهناك تقارير- بل ومعلومات مؤكدة - تؤكد ذلك. وقد شاهدنا بالفعل على التلفزة مباشرة طلائع الجماعات اليمينية القادمة من دول غربية (بريطانيا وكندا وأميركا) للقتال إلى جانب القوات الأوكرانية، استجابة لدعوة الرئيس زيلينسكي، الذي فتح باب التطوع لمن يريد مناصرة بلاده، بينما تحدثت مصادر عن قيام روسيا - في المقابل - بتجنيد مقاتلين من سوريا والشيشان للقتال إلى جانبها في أوكرانيا. ولا شك أن هذا التجييش ينطوي على أخطار حقيقية آنيّة ومستقبلية، فعندما ينتشر المقاتلون الأجانب، سواء كانوا إرهابيين أو مرتزقة، يرتفع العنف ضد المدنيين.

فالمقاتلون ضمن الميليشيات اليمينية والجماعات الإرهابية غالباً ما يكونون أكثر اندفاعاً، ولا يتورعون عن ارتكاب الفظائع. وربما تكمن الخطورة في التداعيات على المدى الطويل. فربما يحدث ما كان قد حدث في أعقاب هزيمة السوفييت في أفغانستان، حيث تورط كثير من المقاتلين الذين عادوا إلى أوطانهم في الإرهاب. قد لا يكون لدى أولئك الذين يذهبون إلى أوكرانيا الكثير من القواسم المشتركة مع «الجهاديين» أيديولوجياً، لكن وجود المتطرفين اليمينيين يجب أن يجعل الحكومات تتوقف عند التفكير في مسألة تشجيع مواطنيها على الذهاب والقتال.

فمثل هؤلاء المتطرفين يشكلون تهديدات، ليس أقلها نقل معتقداتهم إلى الآخرين، فيصبحون خطراً في أوطانهم عندما يعودون. خطورة الأمر لا تتوقف عند المتطوعين أو المجندين، وإنما تتعدى ذلك إلى احتمال ظهور جماعات متطرفة وإرهابية في مناطق أخرى، منها على سبيل المثال روسيا نفسها، حيث تنشط جماعات متطرفة «كامنة» قد تجد في الأزمة فرصة لإعادة تنظيم نفسها. كما قد تطال تبعات هذه الأزمة الجماعات المتطرفة والإرهابية في مناطق أخرى، كالشرق الأوسط أو أفريقيا، ولاسيما «منطقة الساحل والصحراء».

ولا يُستبعَد أن تنخرط بعض هذه الجماعات في القتال أو يتم استغلالها من أطراف تسعى لتصفية الحسابات مع روسيا. إذاً، نحن أمام خطر حقيقي، وإذا اتسعت دائرة الصراع في ظل غياب آفاق سريعة للحل، وفُتح المجال على مصراعيه للمقاتلين من كل صوب وحدب، فإن العالم قد يكون مقبلاً على مرحلة أخرى - موجة جديدة، ولكن مختلفة الألوان هذه المرة - من جماعات إرهابية ومتطرفة أكثر خطورة.

*تريندز للبحوث والاستشارات