لعل أهم ما يعنيه تصدر دولة الإمارات مجموعة الدول العربية في مؤشر الابتكار العالمي 2021، ضمن أشياء أخرى، أنّها أصبحت قاطرة العرب والخليج في الابتكار.

ففي أحدث تقرير لمؤشر الابتكار العالمي، الذّي تُصدره المنظمة العالمية للملكية الفكرية «ويبو»، ويُصنف اقتصادات العالم وفقاً لقدراتها الابتكارية، تبوأت دولة الإمارات المرتبة الأولى على المستوى العربي، ومرتبةً متقدمة على المستوى الدولي. وطبقاً لبيانات التقرير العالمي، تحقق الإمارات أداءً أعلى من متوسط مجموعة دول الدخل المرتفع في ركائز ابتكارية تتصل برأس المال البشري والبحث والبنية التحتية وتطور السوق والأعمال، وأداءً أعلى من المتوسط الإقليمي في جميع ركائز مؤشر الابتكار. كما أنّ استلهام مبادئ الخمسين (سبتمبر 2021) يجعلنا نجزم أنّ القيادة الإماراتية تجعل الابتكار قاطرة التنمية في الدولة خلال الخمسين عاماً المقبلة، فـ«التفوق الرقمي والتقني والعلمي لدولة الإمارات سيرسم حدودها التنموية والاقتصادية، وترسيخها عاصمة للمواهب والشركات والاستثمارات في هذه المجالات سيجعلها العاصمة القادمة للمستقبل».

بعبارة أخرى، دولة الخمسين الثانية مقطورة بموجات الابتكار في جميع المجالات. والحق أنّ الإمارات من الدول الأولى بالشرق الأوسط وشمالي أفريقيا انخراطاً في الثورة الصناعية الرابعة، التي تقوم على اندماج التكنولوجيا والابتكار والذكاء الاصطناعي، والتي تُمثل تغييراً جذرياً في البيئة التي نعيش فيها، والطريقة التي نعمل بها، والوسائل التي نرتبط بها بعضنا البعض. ويُعد انطلاق النسخة الخامسة من معرضي يومكس وسيمتكس، وافتتاح متحف المستقبل، وريادة الدولة في مجال الذكاء الاصطناعي، وتواصل فعاليات «إكسبو 2020»، وولوج مسبار الأمل المدار الأحمر... دلالاتٌ واضحة على فكرة أنّ الإمارات مقطورةٌ بالابتكار وقاطرةٌ العرب إليه.

ويمكن النظر إلى معرضي «يومكس» و«سيمتكس»، والمؤتمر المصاحب لهما، على أنّه أحد مراكز الفكر للثورة الصناعية الرابعة، حيث يتم عرض ومناقشة أحدث الابتكارات في مجالات الأنظمة غير المأهولة والمحاكاة والتدريب، بالإضافة إلى تقنيات الذكاء الاصطناعي والروبوتات. وكانت نسخة هذاْ العام جِد استثنائية، شاركت فيها مؤسسات ومنظمات أعمال وشركات عارضة تنتمي لـ26 دولة، ونحو 150 وفداً رسمياً من أنحاء العالم. والأمر نفسه ينطبق على متحف المستقبل، الذي يُعد بتصميمه المعماري العجيب آية من آيات الابتكار الهندسي. وعن طريق استقطابه العقول النابغة في المجالات كافة، سوف يُسهم متحف المستقبل ليس في قَطر التنمية المبتكرة واستشراف المستقبل في دولة الإمارات وحسب، بل والإسهام في قيادة الثورة الصناعية الرابعة فكرياً ومعرفياً نحو آفاقٍ بعيدة.

علاوة على ذلك، فإنّ تواصل فعّاليات «إكسبو 2020» بمشاركة ما يفوق 200 دولة ومؤسسة ومنظمة دولية يُسهم في زيادة مهارات الابتكار في التصميم والتنظيم، ما من شأنه أن يشكل نموذجاً لمجتمع الأعمال في تصميم الفعاليات المقبلة، وترسيخ دور الإمارات منصة رئيسة للابتكار والتكنولوجيا وصناعات المستقبل في المنطقة.

وثمة اعتراف عالمي متزايد بريادة دولة الإمارات في واحدٍ من أهم المكونات الأساسية للثورة الصناعية الرابعة، وهو الذكاء الاصطناعي. ففي أحدث تقارير المؤشر العالمي للذكاء الاصطناعي الصادر عن مؤسسة تورتويس، جاءت الإمارات في مقدمة دول العالم في الاستراتيجيات الحكومية المتعلقة بالإنفاق والاستثمار في تقنيات الذكاء الاصطناعي، وحلت تاسعاً في معيار تطوير الأنظمة الأساسية والخوارزميات التي تعتمد عليها مشاريع الذكاء الاصطناعي المبتكرة، واحتلت المركز الـ12 في تطوّر البنى التحتية اللازمة للتكنولوجيا مثل جودة الكهرباء والإنترنت وقدرات الحوسبة الفائقة.

ولابد أنْ نُذكّر بجهود الدولة في هذا المجال الواعد. فقد أصدرت الإمارات استراتيجيتها للذكاء الاصطناعي في أكتوبر 2017، لتغطي قطاعات التعليم والصحة والفضاء والمواصلات والبيئة والمياه والطاقة المتجددة، وأسست وزارة للذكاء الاصطناعي هي الأولى من نوعها في العالم، وأنشأت مركز فكر للذكاء الاصطناعي في أبوظبي (جامعة محمد بن زايد للذكاء الاصطناعي).

وتُعد التجربة الإماراتية في استخدام تقنيات الذكاء الاصطناعي لمواجهة انتشار جائحة «كوفيد - 19» نموذجاً جديراً بالدراسة واستخلاص الدروس منه. والأهم من ذلك دلالةً على كون الإمارات قاطرةً ومقطورةً بالابتكار هو نجاح مسبار الأمل في دخول مدار كوكب المريخ، في أوائل فبراير 2021، وبعد نحو 572 من انطلاقه، وإسهامه في عالم البيانات الكبيرة عن الكوكب الأحمر بما يخدم التطلعات الإنسانية في استكشاف إمكانية الحياة هناك. ولم تكتف الإمارات بالحط على المريخ، بل أعلنت عن المضي قدماً في سبر أغوار الكون من حولنا، عن طريق خطة طموحة لاستكشاف الزهرة وحزام الكويكبات في مجموعتنا الشمسية، تبدأ في 2028 وتنتهي عام 2033.

والخلاصة أنّ السجل الموجز لمعالم الابتكار في دولة الإمارات يحمل دلالةً من الأهمية بمكان، تتمثل في أنّها تُبرز قدرة دولة الإمارات، ومَن وراءها من دول الخليج والدول العربية، على الإسهام في موجات الابتكار والإبداع العالمية والإضافة النوعية إلى سجل الحضارة البشرية، بعد أنْ كانواْ مستهلكين دائمين لنواتج هذه الموجات. وبفضل الدور الإماراتي، ضمن أدوار لدول متطورة أخرى على رأسها سنغافورة وكوريا الجنوبية، أصبحت العولمة بحق عملية كونية إنتاجاً واستهلاكاً، بعد أنْ ظلت مدفوعة لردح من الزمن بالتطورات التقنية الآتية من الغرب.

*سفير سابق وخبير في الشؤون السياسية والاقتصادية الدولية.