في نهاية فبراير الماضي لم يعد هاتفي من طراز BlackBerry Curve قابلاً للاستخدام، لأن جهازي البلاكبيري لا يعمل إلا على شبكة الجيل الثالث (G3)، ومقدم خدمة الهاتف أنهى خدمة الجيل الثالث. ولذا يمكنني تشغيل الجهاز وما زال بإمكاني الكتابة عليه، لكن نظراً لعدم التمكن من الاتصال بالشبكة، لا يمكنني إرسال ما أكتبه إلى أي جهاز آخر. حذرني أصدقائي وأفراد عائلتي لسنوات من أن هذا اليوم سيأتي، لكنني تجاهلتهم لأنني ببساطة لم أستطع تخيل الحياة من دون هذا الجهاز. من دون مبالغة، أصبح الجهاز جزءاً من حياتي. فعلى مدى السنوات الثلاث عشرة الماضية، قضيت الجزء الأكبر من كل يوم في الكتابة عليه. وكتبت مسودات لكتابي الأخيرين على جهازي البلاكبيري. وفي معظم فترات ما بعد الظهر، كان يمكنك أن تجدني إما في «لافاييت بارك»، أو جالساً في مطعمي المفضل في واشنطن عاكفاً على الهاتف الصغير أتصفح عمودي الأسبوعي، أو أقرأ تقريراً لاستطلاعات الرأي، أو إفادة لمكتبي. وهناك لوحة زيتية كبيرة معلقة في مكتبة كلية ديفيدسون تصورني جالساً على درج بيت الضيافة بالكلية أكتب عمودي الأسبوعي. 
والشهر الماضي مر 30 عاماً على كتابتي عمودي الأسبوعي. لكنني لم أتعلم قط استخدام الآلة الكاتبة، ولم أشعر بالراحة في استخدام لوحة مفاتيح الكمبيوتر، على مدار السبعة عشر عاماً الأولى، ولذا كنت أكتب مقالاتي الأسبوعية بخط يدي وأدفع بما أكتبه إلى مساعدي الذي يقوم بفك الرموز الصعبة لخطي وكتابة المقال وإرساله.
ولأنني أكتب كثيراً، توصلت إلى أمور يجب مراعاتها لتجعل كتابتي أسهل، مثل أنه يتعين ألا يكون السطح تحت ورق الكتابة أملس للغاية، ورصاص أقلام الرصاص يجب ألا يكون مفرط الصلابة أو مفرط الهشاشة. وفي ذاك الوقت، كنت أستخدم جهاز بلاكبيري في رسائل البريد الإلكتروني منذ بضع سنوات، وبرعت في استخدام هذا. ثم في أحد أيام الجمعة، وجدت نفسي في مطار شيكاغو، وألغيت رحلات العودة بسبب سوء الأحوال الجوية، ولم أكن قد انتهيت من عمودي بعد. والمطار لم يكن به جهاز فاكس، ولذا انعدمت وسيلة إرسال نص مكتوب بخط اليد إلى مكتبي. ومن ثم، نقلت ما كتبته بخط يدي الذي يصعب قراءته إلى جهازي البلاكبيري وأرسلته عبر البريد الإلكتروني إلى مكتبي. ورد مساعدي في سخرية قائلاً: «مرحبا بكم في القرن الحادي والعشرين!»
ووقعت في أسر الجهاز. ومع مر السنوات، تحسن أداء عملي على جهازي الصغير. وفي النهاية، أصبحت قادراً على كتابة نص من 800 كلمة في نحو ساعة.
وأصبحت شديد التعلق بجهازي البلاكبيري لدرجة أنه عندما أعلنت الشركة أنها لن تقوم بتصنيع الجهاز من طراز Curve، طلب مكتبي 4 أجهزة احتياطية. وحين أعلنت شركة «AT&T» للاتصالات أنها ستوقف تدريجياً خدمة أجهزة الجيل الثالث وأن أجهزة بلاكبيري لن تعمل بعد ذلك، لم أرغب في تصديق ذلك وتجاهلت التحذيرات، حتى جاء ذاك اليوم المحتوم الذي توقف فيه النظام تماماً. لكن الحياة تمضي. فقد كتبت هذا المقال على جهاز أيفون. وهذا المقال هو الثاني الذي أكتبه على هذا الجهاز. وأشعر بعدم الراحة قليلاً في استخدام الجهاز الجديد، لكن بعد أكثر من عقد من العمل على جهاز بلاكبيري، أصبحت أصابعي تعرف طريقها إلى الحروف. وأفتقد ذاك الشعور بلمس أزرار بلاكبيري وتحريك المؤشر. لكنني أقوم بالكتابة على الهاتف وأشعر بشكل كامل تقريباً بأنني جزء من العقد الثالث من القرن الحادي والعشرين.


رئيس المعهد العربي الأميركي