تلقى رئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي دَفعة قوية بعد فوز حزبه «بهاراتيا جاناتا» في انتخابات ولائية مهمة، ما يؤكد مرةً أخرى عجز أحزاب المعارضة عن توفير بديل ذي مصداقية. فقد تمكن الحزب الحاكم من الحفاظ على السلطة في انتخابات مهمة في ولايات أترابراديش وجووا ومانيبور وأوترخاند، في انتصار انتخابي مهم يرفع معنويات الحزب وزعمائه. ففي الولاية الهندية الأكبر من حيث عدد السكان، وهي أتاربراديش، فاز الحزب الحاكم بـ255 مقعداً من أصل 403 مقاعد في الجمعية التشريعية، تاركاً منافسيه في الخلف. وأقرب المنافسين كان «حزب سماجوادي» المحلي (أو الحزب الاشتراكي) الذي فاز بـ111 مقعداً، في حين تمكّن «حزب المؤتمر»، الذي يُعد حزب المعارضة الرئيسي وطنياً، من الحصول على مقعدين فقط. وبالنسبة لحزب بهاراتيا جاناتا، يُعد الفوز في أتاربراديش مهماً لأن هذه الولاية هي أهم ولاية هندية سياسياً؛ إذ ترسل إلى الغرفة السفلى للبرلمان الفدرالي 80 عضواً، وهو أعلى عدد ترسله أي ولاية هندية، وإليها ينتمي عدة رؤساء وزراء هنود سابقون. وحتى مودي الذي ينحدر من ولاية غوجرات الواقعة غرب البلاد اختار على نحو لافت مدينة فاراناسي في أتربراديش، والتي يعتبرها الهندوسُ مدينةً مقدسةً، لتكون دائرتَه الانتخابية. ومن المتواتر في الحياة السياسية الهندية أن أي شخص يوجد في السلطة في أتربراديش يملك أفضل فرصة ليكون في السلطة على الصعيد الفدرالي. 
حزب باهاراتيا جاناتا فاز في الانتخابات بفضل برنامج انتخابي خليط شمل مواضيع التنمية والهوية الدينية وحسابات الطبقات الاجتماعية، إضافة إلى شعبية مودي الذي ما زال يأسر خيال كثير من الناخبين. فقد أظهرت نتائج هذه الانتخابات أن الأحزاب السياسية الحالية لا يمكنها أن تأمل في الحصول على دعم الناخبين على أساس الاعتبارات الطبقية فحسب. فقد قلصت تطلعات الناخبين النظام الطبقي المتجذر في المجتمع الهندي، وكان هذا واضحاً في نتائج الانتخابات في أتربراديش حيث لم يكن حزب «باهوجان سماج» عاجزاً فقط عن كسب تأييد «الداليت»، الذين يوجدون في أسفل الهرمية الطبقية، ولكنه هُزم بشكل كامل. وفضلا عن ذلك، أكد حزب بهاراتيا جاناتا أنه لم يعد حزب الطبقات العليا فقط، إذ بات الحزبُ يغري قطاعاً واسعاً من الطبقات بات ينظر إليه على أنه أفضل خيار انتخابي. وتعود شعبية الحزب الحاكم أيضاً إلى بعض برامجه الفدرالية الناجحة مثل المساعدات الغذائية خلال الجائحة، إذ ساعدت تلك البرامج الحزبَ على قطاعات مختلفة من الناس. 
كما أظهرت نتائجُ الانتخابات أن المعارضةَ تركز على قضايا التضخم، وزيادة الأسعار، والبطالة.. وهي مواضيعُ لم تجد لها صدى بين الناخبين الذين يريدون حلولا. ولعل النتيجة الإيجابية الوحيدة التي حققتها المعارضة كانت فوز «حزب عام آدمي» في ولاية البنجاب، بعد أن هزم «حزبَ المؤتمر» الذي كان في السلطة هناك. زعيمُ الحزب، أرفيند كيجريفال، والذي هو في الوقت نفسه كبير وزراء ولاية دلهي، قدّم نفسَه على أنه البديل لرئيس الوزراء مودي وأنه القادر على خلافة حزب المؤتمر باعتباره الحزب الوطني الرئيسي. 
حزب المؤتمر، ومنذ انهزامه في الانتخابات العامة في عامي 2014 و2019، التي حقق فيها حزب بهاراتيا جاناتا فوزاً كاسحاً، أضحى في حالة تراجع. وهزيمته الجديدة في هذه الانتخابات تعبّد الطريق لمزيد من التراجع، في وقت عجز فيه زعيم الحزب راهول غاندي وشقيقته بريانكا غاندي ووالدته صونيا غاندي عن إقناع الناخبين بأنهم يمثّلون بديلا ذا مصداقية. كل هؤلاء ينتمون إلى عائلة غاندي-نيهرو التي منحت الهند عدة رؤساء وزراء، ولكن بات يُنظر إليهم على أنهم بعيدون عن نبض البلاد. كما يواجهون معارضةً شديدةً ليس من حزب بهاراتيا جاناتا فحسب، ولكن أيضاً من «راشتريا سواييم سيفاك»، المنظمة الأم والمنظمات اليمينية الأخرى التابعة لها. 

والواقع أن حزب بهاراتيا جاناتا كثيراً ما شبّه صعود مودي بصعود تطلعات هذا البلد الجنوب آسيوي، الذي أدى فيه النمو الاقتصادي إلى صعود الكثيرين إلى الطبقة المتوسطة. وأبرز التباين القوي بين قصة نشأته المتواضعة وبين آل غاندي التي ينحدر أفرادُها من عائلة سياسية نافذة حيث السلطة مكفولة بشكل أوتوماتيكي عبر الأجيال. هذه الرواية تغذّي الثقافة الشعبية في بلد تتزايد فيه التطلعات، ويرتقي فيه الكثيرون إلى الطبقة المتوسطة، وحيث ما زال الحلُم هو الارتقاء الاجتماعي.
وبالرجوع إلى حزب بهاراتيا جاناتا، يتطلع الحزب الآن إلى اكتساب مزيد من القوة في الانتخابات العامة المقبلة. ويمكن القول إن المعارضة هي التي تنتظرها مهمة صعبة. وفي هذا الإطار، هناك حديث عن تحالف بدون حزب المؤتمر. لكن هذا الحديث قديم ولم يكتسب أي زخم في الواقع. وسيتعين على أحزاب المعارضة الآن العودةَ إلى لوحة الرسم لرؤية كيف يمكنها تشكيل تحدٍّ لرئيس وزراء لم تتراجع شعبيته رغم مرور ولايتين، ويبدو أنه لا يواجه مشاعر سلبية من الجمهور رغم وجوده في السلطة. 

رئيس مركز الدراسات الإسلامية- نيودلهي