هل انتصرت روسيا عسكرياً في الحرب ضد أوكرانيا، وسياسياً واقتصادياً ضد حلف «الناتو» بقيادة الولايات المتحدة الأميركية، أم أن الوضع ما زال بعيداً عن تحديد المنتصر والمهزوم؟ ذلك التساؤل تجيب عليه تحليلات المراقبين والخبراء فمنهم من يؤكد أنه حتى في حال ادعاء روسيا انتصارها عسكرياً، فإنها ستخرج من الحرب منهكة اقتصادياً وسياسياً ومحاصرة بعقوبات قاسية، وليس من المستبعد إخضاعها لتسديد نفقات إعادة إعمار أوكرانيا، بينما البعض يشير إلى نجاح الدبلوماسية ممثلة في المفاوضات الروسية- الأوكرانية، حيث يتم الاتفاق على حيادية أوكرانيا وسحب القوات الروسية.

أما المعسكر الثالث، فيؤكد أن الأمر ما زال بعيداً عن تحديد المنتصر والمهزوم. ولكن الوضع الحالي يؤكد حقيقة واحدة، ألا وهي استمرار روسيا في مخططاتها لترسيخ أمر واقع في أوكرانيا، وبالرغم من انتشار التحليلات بأن «كييف» هي الهدف الاستراتيجي الأبرز لروسيا، إلا أن الأخيرة ظلت تؤكد أن أهدافها هي نزع سلاح أوكرانيا وضمان حيادها وعدم انضمامها لأي حلف عسكري مما يهدد الأمن القومي الروسي و«اجتثاث» النازية الجديدة متمثلة في القيادة السياسية الأوكرانية والاعتراف بشبه جزيرة القرم أرضاً روسية وعدم منع اللغة الروسية في أوكرانيا.

وشخصياً، أرى أنه لو كانت «كييف» الهدف الأبرز لروسيا، لكانت قد سقطت في أيدي قواتها في أيام، ولكن الوضع يشير إلى ما هو أبعد من ذلك. فمنذ بدء العملية العسكرية وبناء على ما أعلنته المصادر الرسمية الروسية، في ظل عدم وجود نفي أوكراني رسمي، فقد تم إخراج 182 منشأة عسكرية عن الخدمة، وتدمير7 مستودعات للأسلحة.

والأرقام في تزايد يومياً، وهذا يؤكد تحقيق روسيا لهدف نزع سلاح أوكرانيا وتدمير بنيتها التحتية العسكرية وبالتالي يصبح دخول «كييف» أمراً يسيراً من دون دعم عسكري، ثم يأتي تصريح رئيس الوزراء البريطاني بوريس جونسون بأن قادة أوروبا أكدوا للرئيس الروسي بوتين أن أوكرانيا لن تنضم لحلف الناتو في الوقت القريب، وهو الأمر الذي أشار إليه الرئيس الأوكراني في تصريحاته الأخيرة وتؤكده تسريبات المفاوضات الروسية الأوكرانية المباشرة والتي تناقش تطبيق النموذج الحيادي للسويد والنمسا على أوكرانيا، وبالتالي فإن الهدف الثاني لروسيا في سبيله للتحقيق أيضاً. وبالنسبة لشبه جزيرة القرم، فإن روسيا تمضي في السيطرة على مدن أوكرانية جديدة تكون ورقة ضغط قوية لها في أي مفاوضات مستقبلية.

وفي الوقت الذي تبدو فيه روسيا منتصرة في هجومها على أوكرانيا، هناك أيضاً أطراف كسبت من تلك الحرب، وفي مقدمتها دول أوروبا التي تمدها روسيا بالغاز الطبيعي، الذي لم تتوقف إمداداته لها، والتي تجري من خلال الأراضي الأوكرانية، أضف إلى ذلك الصين التي ضمنت هيمنة غير مباشرة على حليفتها روسيا.

فإذا كانت تلك المكاسب الروسية والأوروبية والصينية، فإن هناك أطرافاً خاسرة بشدة من تلك المواجهة الروسية - الأوكرانية - الغربية، وفي مقدمتها الشعب الأوكراني الذي لجأ منه ما يزيد على ثلاثة ملايين مواطن إلى دول مجاورة، مع تدمير البنية التحتية في العديد من مدن أوكرانيا، إضافة إلى معاناة العديد من شعوب العالم وفي مقدمتها دول أوروبا والولايات المتحدة الأميركية، من ارتفاع مطرد في أسعار النفط والغاز ونقص في إمدادات القمح الروسي والأوكراني ومنتجات الأسمدة الزراعية ومازالت الخسائر تتوالى.

* باحث إماراتي