على الرغم من أن الحرب الروسية-الأوكرانية لم تضع أوزارها بعد، إلا أنه يمكن استخلاص حصيلة مؤقتة لها. فأوكرانيا بالطبع هي الضحية الأولى لهذه الحرب، ولكن روسيا يفترض أن تكون خاسرة أيضاً نظراً لأنه ستكون هناك عقوبات اقتصادية مؤلمة للاقتصاد الروسي. ونتيجة لذلك، يمكن أن يتقلص الناتج المحلي الإجمالي بنسبة 10 في المئة هذه السنة، كما أن الاعتماد على روسيا كمورّد للطاقة اختفى للتو في أوروبا، وخاصة على المدى المتوسط والطويل. ويمكن القول إنه طالما بقي بوتين في السلطة، فإنه لا يمكن أن تكون هناك علاقات طبيعية بين الغربيين وروسيا. 


ومن جهة أخرى، شهدت أوروبا نوعاً من الصحوة. فالبلدان الأوروبية، التي كثيراً ما كانت موضوع سخرية بسبب انقسامها وعجزها عن اتخاذ القرارات، كان رد فعلها هنا سريعاً، وبطريقة تضامنية استخدمت أسلحة العقوبات الاقتصادية بطريقة أكثر فعالية بكثير لأنها كانت أكثر تصميماً. وفي نهاية المطاف، أظهرت أوروبا أنها تمتلك قوة صلبة اقتصادية كانت مبخسة، وكانت هي نفسها تقلِّل من أهميتها، غير أنه ينبغي رؤية ما إن كانت سترغب في استخدامها في حالات أخرى في ما بعد. وفضلاً عن ذلك، اتخذت البلدان الأوروبية قراراً بزيادة نفقاتها العسكرية وبأن تصبح لاعباً عالمياً أكثر.
الرابح الكبير الآخر في الحرب هو حلف الناتو. فالناتو، الذي قيل إنه في حالة موت دماغي قبل ثلاث سنوات يبدو بالغ الأهمية من جديد بالنسبة للبلدان الأوروبية ولا يمكن الاستغناء عنه لدرجة أن السويد وفنلندا، اللتين كانتا بلدين محايدين، باتتا تفكران في الانضمام إليه. 
الولايات المتحدة وبايدن يبدوان أيضاً مستفيدين. ذلك أن بايدن جعل الناس ينسون كارثة الانسحاب من كابول، وباتت الولايات المتحدة تبدو مثل الحامي الكبير للبلدان الأوروبية ضد التهديد الروسي. وفضلاً عن ذلك، فإن الولايات المتحدة ستستفيد بالطبع من زيادة النفقات العسكرية الأوروبية التي سيتوجه معظمها إلى الصناعة العسكرية الأميركية، وخاصة الألمان الذين أعلنوا اعتزامهم شراء طائرات إف 35 الأميركية.

ومن جهة أخرى، فإن أطروحة بايدن الأخرى التي تعززت هي أطروحة تقسيم العالم بين محور الديمقراطيات والمحور غير الديمقراطي، وذلك على اعتبار أن المحور بين روسيا والصين تقوّى، وأن روسيا باتت لديها بدائل آخذة في التناقص، وأنها أخذت تنشد المساعدة على نحو متزايد عند الصين. 
والواقع أن بايدن يستطيع إنجاح رؤيته - رؤية ديمقراطية بلدان الناتو في مواجهة محور البلدان التي يراها غير ديمقراطية، وإن كان على البلدان الأوروبية أن تفكر ملياً من أجل تلافي الذهاب إلى هذا التقسيم الجديد للعالم الذي قد يكون نبوءة تحقق ذاتها. فمما لا شك فيه أن هناك قواسم مشتركة بين روسيا والصين، غير أنه من غير المؤكد أن من مصلحة البلدان الغربية المساهمة في صنع هذا التحالف أكثر والمساعدة على ظهور تصدع دولي جديد، ولا سيما أنه من غير المؤكد أن كل البلدان ستتبعنا في الواقع. وبالتالي، فربما ينبغي توخي الحذر وتجنب تقوية هذا المحور، وإن كان قد تقوّى بحكم الواقع بسبب غياب بديل بالنسبة لروسيا في الوقت الراهن.
أما الصين، التي ابتهجت بالمشاكل التي يواجهها «الناتو»، فإنها باتت أقل ابتهاجاً في نهاية المطاف. ذلك أنه من جهة، ترى الصين أن العقوبات يمكنها أن تكون فعّالة، والحال أن الصين لا تحب العقوبات.

ومن جهة أخرى، ترى الصين أن «الناتو» تقوّى، وهذا لا يمكن أن يعجبها. وعلاوة على ذلك، يمكن للصين في نهاية المطاف أن تخشى من مواجهة هذا التحالف الذي ازداد قوة، ومن أن يكون هناك حلف أطلسي تتوسع مهامه في القارة الآسيوية وأن يصبح أداة من أدوات احتواء الصين. كما أنها لا تحب كثيراً تطور إغراءات الاستقلال من أجل ضم الأراضي لاحقاً، لأن ذلك يتعارض تماماً مع مصالحها، ثم إن أكثر ما تكرهه هو أن تفضي هذه الحرب إلى أزمة اقتصادية. والحال أن النمو الاقتصادي بالغ الأهمية بالنسبة للصين، ولهذا ترغب في العودة إلى وضع طبيعي بأسرع وقت ممكن، وإلى نهاية الحرب في نهاية المطاف. 

*مدير معهد العلاقات الدولية والاستراتيجية- باريس