ما أحوجنا في هذه المرحلة التي يمر بها العالَم بصرعات ونزاعات وتوترات إلى التكاتف والتواؤم في منطقة الشرق الأوسط، فالبحث عن حلول تخدم مصلحة الشعوب أمر ملح للغاية، وإيجاد آلية عمل مشتركة للتعامل مع المستجدات التي تؤثر على دولنا ضرورة حتمية.. لكل ذلك فقد جاء اجتماع العقبة الذي حضره صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان ولي عهد أبوظبي نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة، والملك عبدالله الثاني عاهل المملكة الأردنية الهاشمية، والرئيس عبد الفتاح السيسي رئيس جمهورية مصر العربية، والدكتور مصطفى الكاظمي رئيس وزراء جمهورية العراق، وحضره أيضاً عن الجانب السعودي الأمير تركي بن محمد بن فهد بن عبد العزيز وزير دولة عضو مجلس الوزراء في المملكة العربية السعودية.

وقد جاء الاجتماع في توقيت حساس، فنحن في منطقة الشرق الأوسط همومنا ومشاكلنا واحدة، لذا فإن حرص قادتنا على توحيد الكلمة لمواجهة التحديات بات ضرورةً أكثر من أي وقت مضى. واجتماع العقبة بداية لانفتاح دول منطقة الشرق الأوسط للتعامل مع الواقع الجديد الذي قد يفرض نفسَه عالمياً، فنحن نعيش في منطقة جغرافية متصلة، وفي حال ما تعرض أي بلد لأي مشكلة أو أزمة فلا بد أن تنعكس على محيطه.

والعالم كله تحول إلى قرية صغيرة، فما بالك بنا في منطقة جغرافية متصلة ولها تاريخ مشترك، ومصالح اقتصادية وسياسية واحدة.. وكل ذلك يؤكد أن الانفتاح وتطوير العلاقات بين دول المنطقة أصبح حتمياً، ليس فقط بسبب ما يحدث في أوكرانيا وتداعياته، ولكن أيضاً بسبب صحة نظرية «القرية الكونية» والتأثير المتصل لأي أزمة على كافة دول العالم.

فما حدث منذ انطلاق أزمة كورونا أكد وعزز مدى تواصل العالم، خاصةً في الجانب الاقتصادي وحاجتَنا لأن نكون مستعدين لأي تغيير.الأمن والاستقرار في منطقتنا متصل وأي أزمة ستهز جميع الدول، لذا وجب التنسيق وتعزيز التعاون. فأزمة أوكرانيا، وهي دولة بعيدة نسبياً عن حدود الدول العربية، تسببت بآثار اقتصادية غير مسبوقة، وهددت الأمن الغذائي للمنطقة ككل، لا سيما أن القمح في بعض الدول يمثل عنصراً هاماً تعتمد عليه الشعوب في سد رمقها، وباتت الآن تبحث عن بديل له. وهذا يفتح المجال للحديث عن سبب عدم تكاملنا في هذه المنطقة لتوفير احتياجاتنا أو على الأقل توفير تنوع في الواردات من مناطق مختلفة وليس من مصدر واحد، إذ كل دول العالم معرّضة لأزمات، لذا وجب التعاون فيما بيننا لمواجهة أي تحديات مستقبلية أو حالية.

آثار الحرب الروسية في أوكرانيا لم تنته وربما لم تبدأ بعد، فهناك تحديات اقتصادية أخرى سوف تفرضها، وربما نشهد تغيراً في شكل النظام العالمي، وليس بالضرورة أن نشهد تغيراً جذرياً، لكن قد نشهد أشكالاً مختلفة للهيمنة الاقتصادية، وربما نشوء أسواق منفصلة عن الشكل التقليدي الذي نعرفه في النظام العالمي الحالي، فالحرب الروسية قد تطول وقد تتطور وقد تغير من الواقع الذي اعتدنا عليه لفترة طويلة، فعند قراءة التاريخ نتأكد أن لا شيء ثابت وكل شيء يمكن أن يتغير، والمقصود هنا شكل النظام العالمي لا سيما في شقه الاقتصادي.

وعموماً، فإن تحرك قادة بلداننا وبحثهم عن آفاق جديدة للتعاون في المنطقة ولمجابهة التحديات، هو أمر إيجابي ومبشر، ونتوقع مزيداً من التحركات في المنطقة لما فيه مصلحة الشعوب. ونحن نتمنى الاستقرار لكل الدول، وأن تنتهى الأزمة الأوكرانية وتعود الأمور لمجاريها، فالسلام نعمة ومحرك للتطور الاقتصادي والاجتماعي وتحقيق الرفاه للشعوب. *كاتب إماراتي