بدأ تعاملي مع مادلين أولبرايت في «المؤتمر الديمقراطي» لعام 1988. كنت أمثل الحملة الرئاسية للقس جيسي جاكسون، بينما مثلت أولبرايت المرشح «الديمقراطي»، مايكل دوكاكيس. وكتب فريق «دوكاكيس» لغة قديمة نوعاً ما في برنامجهم حول الصراع الإسرائيلي- الفلسطيني. واقتصر كلام البرنامج على دعم إسرائيل، وأيد اتفاق كامب ديفيد بشكل غامض. ولم يتم ذكر الفلسطينيين على الإطلاق. وفاز جاكسون بعدد كاف من المندوبين خلال الانتخابات التمهيدية لكسب الحق في طرح ومناقشة موضوع خاص بأقلية. وسعينا إلى أن يتضمن البرنامج «الاعتراف المتبادل وتقرير المصير لكل من الإسرائيليين والفلسطينيين».

كان على مادلين أن تقنعني بالتراجع عن هذه القضية. وثار الجدل بيننا. وذات مرة، وضعتها في اختبار من خلال طرح حل وسط. وأشرت إلى أنه ما دام البرنامج يدعو إلى تأييد كامب ديفيد، فلماذا لا تستخدم اللغة الواردة في الاتفاقات وكفى، مثل «مبدأ الأرض مقابل السلام والاعتراف بالحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني». وقيل لي، بقوة إلى حد ما، إن هذا غير مشجع كبداية. فلم ترد حملة دوكاكيس إدخال كلمة «فلسطينيين» في برنامجها أو مناقشة الموضوع علانية.

ولعدم وجود إمكانية للتوصل إلى حل وسط، تقدمنا بقضيتنا إلى المؤتمر وأجرينا أول نقاش على الإطلاق حول الحقوق الفلسطينية في مؤتمر وطني لحزب سياسي. في عام 1995، في حفل التوقيع الثاني في البيت الأبيض بين الإسرائيليين والفلسطينيين، عندما تصافح رئيس منظمة التحرير الفلسطينية ياسر عرفات ورئيس الوزراء الإسرائيلي إسحاق رابين، رأيت مادلين. عانقتني قائلة: «هذا ليس مجرد يوم لهم. إنه لنا أيضاً».

إنها لمحة طيبة في مدينة لا تعرف مثل هذه اللفتات، كما كانت ذات معنى خاص لأنها صادرة عن شخص كان خصماً لدوداً. خلال فترة عملها كوزيرة للخارجية، تفاعلنا في عدد من المناسبات. كانت تطلع الأميركيين العرب بانتظام على تطورات البحث عن السلام. وكانت تستجيب لمخاوفنا بشأن التوسع الاستيطاني وكانت غاضبة من معاملة السلطات الإسرائيلية للأميركيين العرب، وخاصة المنحدرين من أصل فلسطيني، أثناء توجههم إلى مطار بن جوريون. أثارت هذه القضية بنفسها مع نظرائها الإسرائيليين وأعربت عن غضبها لاستمرار هذه الممارسة. في أواخر التسعينيات، طُلب من ابني، الذي كان يدير مشروعاً لحقوق الإنسان للمحامين في فلسطين، الانضمام إلى وزارة الخارجية في شؤون الشرق الأدنى. أبدت بعض الجماعات الموالية لإسرائيل استياءها وسعت إلى إبعاده عن المنصب. وعبرت أولبرايت عن غضبها قائلة: «لا يمكننا السماح لهم بالفوز بهذا. سيكون الأمر مدمراً إذا حدث».

دافعت عن ابني وأصرت على أن الوزارة بحاجة إلى المزيد من الأميركيين العرب، وليس أقل. في الوقت نفسه تقريباً، دعت إلى اجتماع في قسم الأميركيين العرب واليهود الأميركيين لإطلاعهم على المشاكل في «عملية السلام». في نهاية الاجتماع، طلبت مني العودة إلى مكتبها لإجراء محادثة خاصة. فقد لاحظت أولبرايت، لأول مرة، وهي تنظر في الغرفة إلى 10 من الأميركيين العرب و10 من الأميركيين اليهود، أن «فريق السلام» التابع لوزارة الخارجية كان جميعهم تقريباً من اليهود من قبل. وسألتني عن عدم إثارتي لقضية هذا الخلل، خاصة بعد الطريقة التي عومل بها ابني. أخبرتها أنه في حين أن الجماعات الموالية لإسرائيل قد تفعل ذلك، لكن ليس بوسع الأميركيين العرب القيام به. في عام 2006، نشرت أولبرايت كتاباً بعنوان «الجبروت والجبار» تناولت فيه دور الدين في السياسة الخارجية.

وطلبت مني إجراء مقابلة معها وإدارة المناقشة عند إطلاق كتابها، وفي مناسبة أخرى في ميشيجان. وأكثر ما أثار إعجابي في الكتاب وهذه المناقشات، هو الطريقة التي تناولت بها التصريحات التي نُقلت عنها كثيراً، والتي بدت وكأنها ترفض تأثير العقوبات الأميركية على الأطفال العراقيين. واعتذرت عن أولبرايت عن التعليقات، فقد كانت غير متروية وغير مدروسة. فالسياسة التي استهدفت احتواء صدام حسين تسببت بدلاً من ذلك في خسائر فادحة في المدنيين الأبرياء. وأشارت أولبرايت إلى أن هذه التصريحات والسياسة لطالما طاردتها.

أتذكر مادلين أولبرايت، ليس فيما يتعلق بتصريحات وسياسة ندمت عليها أو فيما يتعلق بخلافاتنا الشديدة في السياسة، بل أتذكر المرأة الذكية شديدة المراس والحصيفة، وقدرتها على الاعتراف بأخطاء الماضي وعلى أن تكون لطيفة مع شركائها السابقين. هذه هي الصورة التي سأتذكرها.

رئيس المعهد العربي الأميركي- واشنطن