تريندز للبحوث والاستشارات دفعت الأزمة الأوكرانية بعض الدول التي تخلت طواعية عن الأسلحة النووية إلى إعادة النظر في موقفها وإعادة التفكير في امتلاك القنبلة النووي تشير متابعة تطورات أزمة الحرب الأوكرانية والتداعيات المترتبة عليها إلى أن هذه الأزمة قد تدفع إلى خلق سباق تسلح عالمي جديد، تقليدي ونووي، ربما تكون له تأثيراته الخطيرة على العالم.

فمن ناحية، دعت هذه الحرب العديد من دول العالم للدخول في سباق تسلح تعزيزاً لترساناتها العسكرية، إما لأغراض الحماية من أي عدوان قد يُشن ضدها، أو أن هذه الدول نفسُها هي جزءٌ من منظومة جيوسياسية أمنية تدافع عن وجودها ومصالحها أو تطمح إلى التوسع في العالم المحيط. وفي هذا الإطار، أعلن المستشار الألماني تخصيص بلاده 100 مليار يورو لتحديث الجيش الألماني، بالإضافة إلى تخصيص 2% من الناتج المحلي الإجمالي سنوياً لتعزيز قدرات بلده العسكرية. كما أعلن رئيس الوزراء الأسترالي أن بلاده ستزيد تعداد جيشها بنحو 30% بتكلفة تقدر بنحو 27 مليار دولار لمواجهة التهديدات العسكرية الناشئة.

ومن ناحية ثانية، كشفت الحرب الروسية- الأوكرانية الستار عن حالة الفوضى النووية التي تمارسها القوى الكبرى، والتي تمثلت إحدى تجلياتها في انسحاب الولايات المتحدة من معاهدة الصواريخ الباليستية عام 2002، واتفاقية الأسلحة النووية متوسطة المدى عام 2019، ومعاهدة الأجواء المفتوحة 2020، ثم تلتها روسيا في العام التالي. المؤكد هنا، أن هذه الانسحابات الأميركية والروسية من الاتفاقيات الدولية جعلت النظام العالمي للحد من الترسانات النووية ومنع انتشارها يشهد «حالة فوضى» عارمة الآن.

ومن ناحية ثالثة، تشير المؤشرات القائمة إلى أن عدد الرؤوس النووية في المخزونات العسكرية العالمية، والتي تشمل الرؤوس النووية الحربية المخصصة للقوات العملياتية آخذ في الازدياد مرة أخرى، فحسب تقديرات وزارة الدفاع الأميركية، فإنه من المحتمل أن تمتلك الصين ألف قنبلة نووية بحلول سنة 2030، وأن تُصنع كوريا الشمالية ما يصل إلى ستين سلاحاً نووياً. وقد أظهرت الحرب في أوكرانيا، أن الدول النووية التسع تخوض الآن سباقاً محموماً لتحديث ترساناتها النووية.

ومن ناحية رابعة، دفعت الأزمة الأوكرانية بعض الدول التي تخلت طواعية عن الأسلحة النووية إلى إعادة النظر في موقفها وإعادة التفكير في امتلاك القنبلة النووية، خاصة وأنه ما تزال لديها الإمكانيات العلمية والفنية للعودة السريعة إلى ذلك. وقد تسعى دول أخرى – ليس لديها خبرات نووية – إلى محاولة امتلاك برنامج نووي أو شراء القنبلة النووي كأحد خياراتها للردع الاستراتيجي.

وقد ألمح، في هذا الإطار، الرئيس الأوكراني إلى احتمال عودة بلاده لحيازة أسلحة نووية عبر الانسحاب من مذكرة بودابست. كما تسعى إيران لامتلاك أسلحة نووية، وقد لا نتفاجأ برؤية اليابان أو كوريا الجنوبية تسعيان إلى استخدام رادع نووي خاص بهما. خلاصة القول، إن العالم سوف يشهد خلال المرحلة القادمة سباقاً غير محمود من أجل التسلح النووي في ظل ما أكدته الحرب الأوكرانية من أهمية السلاح النووي، ليس فقط في مجال الردع الاستراتيجي، ولكن أيضاً كوسيلة يمكن استخدامها عند الضرورة.