تفاصيل جديدة وترتيب متقن للأحداث ينقل الحقيقةَ كاملةً ويرسِّخ حقبةً تاريخيةً ليست ببعيدة، وقد أثَّرت على مصر والبلاد العربية ككل، فهي فترة تسلَّقت فيها جماعةُ «الإخوان» السلطةَ في مصر وحاولت القيام بذات السيناريو في أكثر من بلد عربي، لتهدد الأمن القومي لدول مستقرة عبر إثارة وخلق الفتن.

وهذه المرة لم يأتِ عرضُ تلك الأحداث عبر أفلام وثائقية أو كتب ولقاءات، بل جاء من بوابة الدراما، حيث حظي مسلسل «الاختيار» بتفاعل واسع وتجاوز ما قُدِّم سابقاً من مسلسلات تاريخية، ليتحول إلى دراما توثيقية هامة. والمفارقة هو حجم المشاهدة الكبير، حيث تفوق هذا المسلسل وتصدَّر قائمةَ المشاهدات وخلَقَ حالةً من التفاعل الواسع على منصات التواصل الاجتماعي والقنوات الإعلامية ومواقع الإنترنت التي تواصل الكتابة والتحليل بعد كل حلقة منه.

كما تعرَّض للنقد مِن قبل القنوات المحسوبة على «الإخوان»، ومِن قبل مواقع «الإخوان» على منصات التواصل والمؤيدين ومَن يدورون في فلك الجماعة الإرهابية المحظورة التي انزعجت من كشف الحقائق التاريخية.

الجديد في هذا المسلسل هو توضيحه صورةَ الأحداث في فترة هامة من التاريخ المصري المعاصر، وكشف التفاصيل التي كانت غائبة عن الجمهور وإيضاح الصورة الكاملة لصعود جماعة «الإخوان»، التي وجدت -بعد ثورة 25 يناير وحدوث فراغ سياسي في البلد- الفرصةَ مواتيةً لتسلّق الثورة وطرح نفسها كحل، في فترة خلت فيها الساحة من أحزاب سياسية منظمة لها قبول في الشارع. وكذلك قيامها بالعزف على وتر الدين لإثارة مشاعر الناس وإيهامهم بأنها ستكون حلاً لكل المشاكل.

لكن بعد أن تمكَّن «الإخوان» من الوصول إلى السلطة، سارعوا إلى كشف أنيابهم والعمل على أخونة كافة مفاصل الدولة، عبر إقالة كل من ليس إخوانياً وإحلال عناصر إخوانية مكانَه، أي العمل على تبديل كافة الكفاءات المصرية بعناصر إخوانية تضمن سيطرة الجماعة على الدولة المصرية، وهذا ما خلق حنقاً شعبياً كبيراً زاده اضطرابُ الأوضاع السياسية والاقتصادية، حيث فشلت الجماعةُ في تقديم حلول للأزمات.

ثم جاءت محاولتُها السيطرةَ على القضاء المصري ومؤسساته والوصول إلى محاولة تغيير الدستور بما يتناسب مع مطامعهم وأهدافهم. لقد نجح مسلسل «الاختيار» في تقديم الصورة كاملةً وجسَّد شخصيات حقيقية، منها شخصية الرئيس المصري الحالي عبدالفتاح السيسي باقتدارٍ عالٍ، وغيرها من الشخصيات التي أثَّرت على تاريخ مصر الحديث، واللافت في المسلسل هو عدم المبالغة في تصوير الشخصيات أو الأداء، أي تقديمَها كما هي بكافة التفاصيل وهذا يحسب للمسلسل، فلم يقدم أفراد جماعة «الإخوان» والرئيس السابق محمد مرسي بطريقة هزلية، بل قدمهم جميعاً كما هم على حقيقتهم، بمن فيهم خيرت الشاطر نائب مرشد «الإخوان»، وكذلك مرشدهم العام محمد بديع. ومن خلال الأحداث ظهر مدى سيطرة الجماعة ومكتب مرشدها وخيرت الشاطر على قرارات مرسي، الذي كان ينفذ ما تطلبه منه الجماعة وهو رئيس للجمهورية، وهذا كان خطأه الكبير الذي تسبب في تضارب قراراته وتململ الشارع منه ثم عزله.

اللافت أيضاً، والذي أعطى مصداقية كبيرة للمسلسل، هو تقديم تسريبات للجماعة مباشرةً بعد المشاهد التمثيلية، والتي عكست مدى صدق نقل الأحداث في المسلسل، وفندت مسبقاً أي محاولة من الجماعة لاتهام المسلسل بالتضليل أو الانحياز. فاجتماعات مرسي مع مكتب الإرشاد، وما جاء في تصريحاتهم العلنية، كل ذلك كشف المستورَ وأكد على موضوعية المسلسل. والأهم هو إظهار حقيقة الجماعة التي كانت تعمل لصالح تمددها وتمكينها وتحقيق مكاسب على حساب الشعب.. فمصالح «الإخوان» بالنسبة لهم تتجاوز مصرَ وشعبَها وأمنَها، وهذا ما نجح المسلسل في كشفه وتوضيحه.

*كاتب إماراتي