تشهد الساحة الليبية حَراكاً سياسياً نشطاً هذه الأيام، حيث تتواصل الجهود لإيجاد مَخْرَجٍ دائم للأزمة التي نتجت عن تأجيل الانتخابات التي كانت مقررة نهاية العام الماضي. ويبدو التركيز الآن منصباً على الجانب الدستوري كَمَخْرَجٍ من هذا المأزق الذي تسبب فيه التأجيل، حيث أكدت المستشارة الأممية الخاصة بالشأن الليبي، ستيفاني وليامز، أن الحل النهائي في ليبيا سيأتي عبر انتخابات مبنية على قاعدة دستورية متينة.

وقد أظهرت قضية تنظيم الانتخابات التي عول الليبيون ومعهم المجتمع الدولي عليها كثيراً لإنهاء المرحلة الانتقالية التي تعيشها البلاد منذ الإطاحة بالقذافي عام 2011، أن المخرج الرئيسي للأزمة الليبية يجب أن ينبني على قواعد دستورية يقبل بها جميع الفرقاء حتى لا يتكرر السيناريو نفسه، ويعود النقاش بشأن الانتخابات إلى نقطة الصفر، وهذا يفسر الاهتمام المتزايد سواء من قبل الأطراف المعنية أو من قبل الأمم المتحدة التي ترعى اجتماع المسار الدستوري الليبي الذي انطلقت المشاورات بشأنه في العاصمة المصرية القاهرة مؤخراً.

ويعني هذا أن على جميع الفرقاء أن يتوصلوا إلى حل بشأن هذه المسألة التي أصبحت مصيرية إلى حد كبير، قبل تحديد أي جداول زمنية لأجرائها، لأن التجربة السابقة كانت مخيبة للآمال بالفعل.

وبالطبع فإن تحقيق هذا الهدف ليس بالأمر السهل، رغم اتفاق الجميع على ضرورته، فلطالما كانت القاعدة التي تجري عليها الانتخابات مسألة خلاف رئيسية لا سيما بين الطرفين الرئيسين وهما «مجلس النواب» في الشرق و«المجلس الأعلى للدولة» في الغرب، ومن يرتبط بهما من قوى أخرى سواء أكانت شخصيات أم مجموعات مؤثرة، أم قبائل متنفذة، ومن هنا فإن التوصل لحل بشأن القاعدة الدستورية يتطلب توافق هذين الطرفين، وهو محور الجهود التي تبذلها المبعوثة الأممية ومعها دول المنطقة الأخرى التي تسعى للمساعدة في إيجاد مخرج للأزمة. وفي هذا السياق، جاءت مبادرة المستشارة الأممية التي أعلنت عنها مطلع مارس الماضي، بتشكيل لجنة مشتركة من المجلسين بهدف الاتفاق على قاعدة دستورية قوية لإجراء انتخابات وطنية في أقرب وقت ممكن.

كما أن هناك تحدياً آخر أمام الليبيين يلقي بظلاله ليس على المسألة الدستورية فقط، وإنما على الوضع الليبي برمته أيضاً، فرئيس الحكومة المؤقتة عبد الحميد الدبيبة يرفض تسليم السلطة، لفتحي باشاغا الذي اختاره مجلس النواب أوائل فبراير الماضي بديلاً له، وكرر أنه لن يسلم السلطة لجهة غير منتخبة، بل وحذر من أن تعيين حكومة جديدة قد «يؤدي إلى الحرب»، وأن الحل الوحيد هو الانتخابات، ما يعني أن الأزمة قد تراوح مكانها أو قد تعود حتى إلى المربع الأول بكل ما ينطوي عليه هذا من مخاطر بما فيها تجدد القتال.

وتؤكد كل هذه التطورات أهمية التوصل إلى قاعدة دستورية من شأنها أن تؤدي إلى انتخابات شاملة، وذات مصداقية تنهي المرحلة الانتقالية وتفتح المجال لمرحلة جديدة أمام الليبيين الذين عانوا الكثير بسبب صراعات قادتهم.

* تريندز للبحوث والاستشارات.