نواصل اليوم، أيها الكرام، جولتنا مع بعض (الأجوبة المسكتة). وأقف عند تعريف معاصر للأجوبة المسكتة، إذ إن د. منيرة فاعور، وهي أكاديمية مختصة بموضوعنا ذاته، اعتبرتها: «قول بليغ مرتجل، يعتمد على المشافهة، يُقصد به تصحيح الكلام، وإثبات حق، أو دفع شبهة، مع الإصابة، والسرعة في الإجابة». ويُطلق البعض على هذه الأجوبة مصطلحات لا تبعد عن مصطلحنا في المعنى، مثل: الجواب المُسكت، والجواب الحاضر، والجواب المُلهم، والجواب الناصر... وفيما يلي بعض هذه الأجوبة، علّها تروق السادة القراء:

•    سُئل الشعبي: هل يجوز أكل لحم الذباب؟ فقال: إن اشتهيته، فكله.

•    قال رجلٌ لحكيم: والله لأَسُبَّنَك سباً يدخل القبر معك! فقال الحكيم: يدخل معك، لا معي!

•    قال رجلٌ لبهلول: إن الرشيد أمر بإعطاء درهمين لكل مجنون! فعاجله بهلول قائلاً: وهل أخذت أنت نصيبك؟!

•    قال أحد الثقلاء للجاحظ: سمعت أن لك ألف جواب مُسكت، فعلمني منها. قال له الجاحظ: نعم. قال: إذا قال لي شخص: يا ثقيل الروح. أي شيء أقول؟ فقال الجاحظ: قل له: صدقت!

•    قيل للأصمعي: لماذا لا تقول الشعر؟ قال: الذي أريده لا يواتيني، والذي يواتيني لا أريده، أنا كالمِسَنّ أشحذ ولا أقطع.

•    قال رجل من كلب، لامرأته لما دخل بها: ما أهزَلكِ! قال: هُزالي أولجني بيتك!

•    سأل معاوية، الأحنف بن قيس، قائلاً: أنت سيّد قومك؟ فقال: ألجأهم الدّهر إليّ. فقال معاوية: هكذا تكون مخادعة الكريم وأهل الشّرف.

•    قيل لبعض الحكماء: بأيّ خِلَّةٍ نكبتَ عَدُوَّك؟ قال: بأن أزداد فضلاً في نفسي، وتفضّلاً على غيري.

•    أوصى رجل بنيه، فقال: يا بنيّ، اقصدوا العدل وما هو خير منه. قالوا: وما هو الذي خير من العدل؟ قال: التّفضّل.

•    سُئِل عاملٌ في المعادن: كيف اخترت هذه الصّناعة؟ فقال: استخراج الدّرهم من الحجارة أيسر من استخراجه من أيدي الناس.

•    قال معاوية، لعرابة بن أوس: بِمَ سدت على قومك؟ قال: بإعراضي عن جاهلهم، وإعطائي سائلهم، وإسراعي في حوائجهم.

•    سأل معاوية، خالد بن قيس، عن الأحنف. فقال خالد: إن شئت أخبرناك به ثلاثة، وإن شئت اثنتين، وإن شئت واحدة. قال: هات الثّلاثة. قال: كان لا يشره، ولا يحسد، ولا يمنع. قال: هات الاثنتين. قال: كان موفقا للخير، معصوما عن الشّرّ. قال: فهات الواحدة. قال: كان أقوى الناس سلطانا على نفسه.

•    قال الحسن والحسين لعبد الله بن جعفر: إنّك قد أسرفت في بذل المال. فقال: بأبي أنتما وأمّي، إنّ الله قد عوّدني أن يُفضِل عليّ، وعوّدته أن أفضل على عباده، فأخاف أن أقطع العادة، فيقطع عنّي المادّة.

•    أصيب علي بن موسى بمصيبة، فصار إليه الحسن بن سهل، فقال: إنا لم نأتك مُعَزّين، بل جئناك مقتدين، فالحمد لله الذي جعل حياتكم للناس رحمة، ومصائبكم لهم قدوة!

•    شكا رجل إلى الزاهد دلف بن جحدر الشّبلي، كثرة عياله، فقال له الشبلي: ارجع إلى بيتك، ومن لم يكن رزقه على الله، فأخرجه منه.

•    حكي أن رجلاً تكلم بين يدي المأمون، فأحسن. فقال المأمون: ابن من أنت؟ قال: ابن الأدب يا أمير المؤمنين. قال: نعم النسب انتسبت إليه، ولهذا قيل: المرء من حيث يثبت، لا من حيث ينبت، ومن حيث يوجد، لا من حيث يولد، قال الشاعر: كن ابن من شئت واكتسب أدبا يغنيك محموده عن النسب إن الفتى من قال: ها أناذا ليس الفتى من قال: كان أبي

•    قال رجل لآخر: ألا تستحيي من إعطاء القليل؟ فقال: الحرمان أقل منه.

•    قال بعضهم لأبي تمام: لم لا تقول ما يفهم؟ فقال: لم لا تفهمون ما يقال.

•    هجا أبو الهول الحميري، الفضل بن يحيى، ثم أتاه راغباً، فقال له الفضل: ويحك، بأي وجه تلقاني؟ قال: بالوجه الذي ألقى به ربي جل جلاله، وذنوبي إليه أكثر. فضحك ووصله.

•    بعث الأفشين إلى ابن أبي دؤاد، قائلاً: ما أحب أن تجيئني، فلا تأتني. فأجابه ابن أبي دؤاد: ما أتيتك متعززاً بك من ذلة، ولا متكثراً بك من قلة، ولكنك رجل رفعتك دولة، فإن جئتك فلها، وإن قعدت عنها فلك.

•    ناظَرَ أحدهم يحيى بن أكثم، وكان يقول له في المناظرة: يا أبا زكريا. وكان يحيى يُكنى بأبي محمد. فقال يحيى: لست بأبي زكريا. فقال الرجل: كل يحيى كنيته أبو زكريا. فقال ابن أكثم: العجب أنك تناظرني في إبطال القياس، وتكنيني بالقياس.

•    سُئل الشعبي سؤالاً، فقال: لا أدري. فقيل له: أما تستحي أن تقول: لا أدري، وأنت فقيه العراق؟ قال: لكن الملائكة لم تستح، إذ قالت: (سبحانك لا علم لنا إلا ما علمتنا).

* السفير السعودي لدى الإمارات.