في يوم زايد الخير وزايد العمل الإنساني، يحتفي الإماراتيون ومعهم ملايين المقيمين بتلك الشخصية الفذّة، التي اجتمعت من حولها القلوب والصفوف والعزائم، فأقامت دولةً على التآلف والخير وصنع الجديد والمتقدم في سائر مجالات الحياة. لكل دولةٍ قصة تأسيس أو إنجاز. وقد اختار الإماراتيون منذ البداية الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان ليكون رمزاً للدولة الجديدة ونموذجاً ليس فقط لرجالات الدولة الكبار، بل وشخصية إنسانية كبيرة، يكاد يكون لكل أحدٍ من معاصريه قصة معه في الإحسان والرعاية والتعامل الإنساني. ولستُ أعرف شخصيةً سياسيةً جرى حولها الإجماع على المستوى الوطني مثلما جرى الإجماع على الشيخ زايد، وليس على المستوى الوطني وحسْب، بل وعلى المستويين العربي والإسلامي أيضاً.  

  ما سِرُّ هذا الإجماع، أو ما سرُّ هذه الشخصية الآسرة؟     لقد كان العرب قديماً يَجمعون فضائلَ القيم والأخلاق في مصطلح أو مفهوم «المروءة». وقد بلغ من تقدير الباحثين المحدثين لأهمية هذا المفهوم الذي يجمع باقةً من القيم، أنْ اعتبروه مقارناً أو مقابلاً للدين في الإسلام. فالمروءة مَجمع فضائل العرب قبل الإسلام، وهي التي يسعى كل ناشئٍ عربيٍّ للدخول إلى رحابها.

وأحسب أنّ هذا المفهومَ العربي العريقَ هو الذي ينطبق على الشخصية الإنسانية لزايد بن سلطان باعتباره شيخاً وباعتباره رئيساً للدولة التي ناضل طويلاً حتى حوَّل حلم إنشائها إلى حقيقة. المروءة عند العرب تشمل أو تتضمن الشجاعة والكرم والصدق والأمانة والمودة مع كل أحد والوفاء والجوار والضيافة، والشهامة والإيثار وصنع المعروف مع من يعرف ومن لا يعرف. وقد قالت خديجة أم المؤمنين لرسول الله (ص) عندما جاءها من غار حراء ترجُفُ بوادره: والله لن يخزيك الله أبداً، إنك لتكسب المعدوم، وتحملُ الكَلَّ، وتقري الضيف، وتُعين على نوائب الحقّ. وقد علّق السهيلي شارح السيرة على مقالة خديجة: هذه والله هي المروءة بأسمى معانيها، ومن اتّسم بها فلن يخيب.  

  وهكذا فإنّ زايد «الشيخ» كان نموذجاً للمروءة العربية التي تصل إلى ذروةٍ من ذرى إنسانية الإنسان. وفي العقد الفريد لابن عبد ربه أنّ المروءةَ تتأسس عليها السيادة في القبيلة العربية.  

  لكن السيادة القديمة هي ميزة وحرفة رجل الدولة الحديث. وقد كان الشيخ زايد مُنشئاً للدول، وصانعاً لصلات المودة والسلام، وبدبلوماسيةٍ تفاوضيةٍ عزَّ نظيرها لا تكلُّ ولا تملّ حتى تُحقِّق الأهداف. وماذا كانت عليه الأهداف؟ حلّ النزاعات، وإقامة العلاقات، ونشر الخير والمودّة. لقد اجتمعت في الشيخ زايد رحمه الله سمات مروءة السيادة، وسمات رجل الدولة الكبير.  

   قال جون راولز في كتابه: نظرية العدالة (1971) إنّ بين واجبات الدولة عدالة التوزيع، إنما ليس من مهامها صنع الخير والإحسان، بل الأمر بشأن الأعمال الإنسانية متروكٌ إلى الجهات الدينية ومؤسسات المجتمع المدني! بيد أنّ الشيخ زايد وأعقابه اختاروا أن تكون دولة الإمارات دولة خيرٍ أيضاً، وهو أمرٌ ليس واجباً، بل هو خيار كبير لخدمة بني الإنسان، يحمل في طياته ظلال الرحمة الدينية، ويتسع لكي يصل إلى آفاق إنسانية الإنسان. تعرف ذلك كلَّه عن دولة الإمارات الجهاتُ العربيةُ والإسلاميةُ والدوليةُ منذ عقود.

   في ذكرى زايد الخير وزايد العمل الإنساني، نسأل الله سبحانه له الرحمةَ، ولهذه الدولة البقاءَ بالمروءة وبعمل الخير، وبدبلوماسية رجال الدولة الأفذاذ.

*أستاذ الدراسات الإسلامية -جامعة محمد بن زايد للعلوم الإنسانية