كان عنوانُ مقالة كاتب السطور المنشورة هنا في 5 يناير 2022 (أيام حاسمة للعالم مطلع 2022). وخلاصتُها أن العالم في مفترق طريقين؛ فإما التوصلُ إلى حلٍ وسط بشأن مطالب روسيا الأمنية، أو انزلاقُ الأزمة التي تصاعدت في الأشهر الأخيرة من 2021 نحو هاويةٍ كانت قد بلغت حافتها في ذلك الوقت.

كانت تطوراتُ هذه الأزمة تتسارع، بالتوازي مع أزمتين أخريين تحملُ كل منهما في طياتها خطر الانزلاق إلى مواجهة عسكرية في شرق آسيا وفي غربها. فلم تكن طبولُ الحرب، التي كانت نذرُها تقتربُ في أوكرانيا، قد غطت بعد على أزمتي تايوان وإيران. وعندما اندلعت الحربُ في أوكرانيا فعلياً في 24 فبراير الماضي، انشغل العالم بها عن الأزمتين الأخريين. لكن لم تمض أسابيعُ حتى عاد الاهتمامُ بهما مجدداً، وخاصةً بعد أن سخنت أجواءُ الأزمة التايوانية فجأةً مع زيارة وفدٍ من مجلس الشيوخ الأميركي لتايبيه في 25 أبريل المنصرم، واحتجاج الصين الحاد ضد ما اعتبرته تحركاً معادياً، وإعلانها بعد أيامٍ أنها وقعت اتفاقاً أمنياً واسع النطاق مع جزر سليمان الواقعة جنوب المحيط الهادئ. ويتضمنُ هذا الاتفاقُ، وفقاً لنسخةٍ من مسودته سُربت قبيل توقيعه، السماح للصين بنشر قوات برية وبحرية في هذه الجزر عند الضرورة. وأثار ذلك الاتفاق قلقاً أميركياً زاده إجراءُ الصين تدريباتٍ عسكريةٍ بحريةٍ وجويةٍ قرب تايوان. وتتزامن هذه التطوراتُ مع دخول المفاوضات المتعلقة ببرنامج إيران النووي في حالة سُبات.

فبعد ما بدا في مطلع أبريل أن الاتفاق بات وشيكاً، عادت طهران وواشنطن إلى تبادل الاتهام بالتعنت، فصارت مفاوضاتُ فيينا مُجمدةً فعلياً على نحو يدفعُ بعض المراقبين للتساؤل عما إذا كان استمرارُ هذا الجمود سيفتحُ البابَ لتصاعد الأزمة، وخاصةً في ضوء ازدياد الاحتكاكات بين إيران وإسرائيل لا سيما في سوريا. وإذ تبدو الأزمتان متجهتين، على هذا النحو، إلى التصاعد وإن ببطءٍ حتى الآن، يصبحُ صعباً تجنبُ إثارة السؤال عن احتمال أن تأخذ إحداهما أو كلتاهما مساراً يقودُ إلى مثل ما آلت إليه الأزمةُ في شرق أوروبا.

وحسب المعطيات الراهنة، ما زال هذا الاحتمال بعيداً، وخاصةً بشأن مسألة تايوان المختلفة عن أي نزاعٍ آخر من زاوية أنها كانت جزءاً من الصين، وانفصلت فتعامل معها العالم على أساس أن هذا الانفصال أمرٌ واقع لكنه لا يُرتِّبُ نتائج قانونية.

ولهذا تبدو الصين مطمئنةً إلى أنها ستستعيدُ تايوان آجلاً إن لم يكن عاجلاً، مثلما استردت هونج كونج، بدون قتال تستنزفُ فيه مواردُ تشتدُ الحاجةُ إلى تنميتها لتقريب المسافة نحو قمة النظام العالمي. أما أزمةُ إيران، فالأرجحُ أن استمرار رهان طرفيها على المفاوضات رغم جمودها، وانشغال واشنطن بدعم أوكرانيا، يضعان سقفاً لأي تصعيدٍ في الفترة المقبلة. ولهذا يبدو احتمالُ نشوب حرب ثانيةٍ بعيداً خلال الأشهر المقبلة على الأقل. فلا يستطيعُ العالمُ تحمل تبعات حربين.

*مستشار مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية