استطاع الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون حسم الانتخابات الرئاسية على حساب زعيمة اليمين المتشدد مارين لوبان، وعليه يكسر قاعدة استمرت 20 عاماً منعت ساكن الاليزيه من الاستمرار لولاية ثانية، ويعد ماكرون أصغر رئيس فرنسي، عندما دخل الاليزيه لأول مرة عام 2017 في عمر التاسعة والثلاثين. كانت لماكرون محطات بارزة في سياسته الداخلية، حيث اتسمت ولايته الأولى بالكثير من الانتقادات حين وصف بصديق الأثرياء، بعد قرار إلغاء الضريبة على الثروات، بينما في أواخر الولاية الأولى، أقدم على مخاطر عدة أهمها رفضه الاغلاق الشامل إبان تفشي جائحة كورونا، وانهى ولايته بشعبية تفوقت على من سبقوه من الرؤساء، خصوصاً عبر تركيزه على تحسين قاعدته الجماهيرية بين الفرنسيين خلال الجائحة عبر توفير المساعدات الاقتصادية.

عند الحديث عن سياسة ماكرون الخارجية، نجد أنه لم يتخلى عن تأييده لقضايا أوروبا، فكانت سياسة فرنسا أوروبية الأساس، وفي أفريقيا أتخذ عدة خطوات إيجابية تجاه عدة قضايا، أبرزها إقرار فرنسا أنها تتحمل مسؤولية كبيرة للإبادة الجماعة لأقلية التوتسي في رواندا، وعمل على تحسين العلاقات مع عدة دول أفريقية أبرزها الجزائر، وهي خطوات صبت في صالح ماكرون، بحيث استطاع إيصال رسالة للفرنسيين أنه قادر على إدارة سياسة خارجية متوازنة ومعتدلة، تحقق تطلعات الشعب الفرنسي. عربياً عمل ماكرون على تعزيز الشراكات مع الدول العربية والخليجية، وتميزت علاقته مع دول محور الاعتدال السعودية والإمارات، بحيث تتفق الرؤى الاستراتيجية الفرنسية مع العديد من الجوانب في سياسة الرياض وأبوظبي، تحديداً مكافحة الإرهاب والتطرف والتعامل مع كافة الملفات المعقدة من منظور الحوار والسلام.

ويحسب للرئيس الفرنسي ماكرون مطالبته باشراك دول الخليج في مفاوضات فيينا التي تهدف إلى الخروج باتفاق إيراني نووي جديد، ويحسب له كذلك حضوره قمة بغداد الرامية لعودة العراق إلى عمقه العربي، مع رفض التدخلات الايرانية في شؤونه الداخلية، كما يبدو هناك توافق متوازن بين الرؤية الفرنسية والخليجية والعربية حول دعم الشعب اللبناني، ودعم الجهود التي ستخرج لبنان من أزمته السياسية والاقتصادية. دولياً جاءت الأزمة الأوكرانية لتكشف الدور الفرنسي في ممارسة الوساطة، وبرغم أن فرنسا تتبنى مواقف المعسكر الغربي، إلا أن الرئيس الفرنسي لم يتردد للجلوس مع الرئيس الروسي، واستمر في التواصل مع موسكو قبل وبعد العملية العسكرية الروسية، معبراً عن مواقف باريس والأوروبيين بشكل عقلاني أكبر من التصعيد الأميركي، واستمرت هذه الوساطة الفرنسية ما بين موسكو وكييف منذ بدء الحرب في أوكرانيا.

لقد أجمع الفرنسيون أن ماكرون هو الخيار الأفضل القادر على تحديد سياسات داخلية وخارجية واضحة ومتزنة. ودولياً توالت ردود الفعل المرحبة بفوز الرئيس الفرنسي، ما يعكس ارتياحاً عالمياً لهزيمة اليمين المتشدد. وخليجياً وعربياً، أرى ان استمرار ماكرون سيكون من صالح المنطقة، فهو مدرك جداً للتحديات الإقليمية، ويعرف جيداً أهمية وتأثير دول الخليج العربي ومحور الاعتدال العربي على قضايا المنطقة والعالم.

* إعلامية وكاتبة بحرينية.