ركزت مفاوضات فيينا على الجوانب الفنية والتقنية دون التعرض للضمانات الأمنية، مما جعل المهتمين يعتقدون أنها وصلت لمراحلها الأخيرة، وأن المفاوضات في فيينا انتهت، والإعلان عن الاتفاق الجديد بات قريباً، إلا أن الرفض الإقليمي لهذا القرار الذي يتعارض مع تحديات دول المنطقة الأمنية سبب ضغطاً كبيراً على واشنطن، التي كانت تدرس رفع العقوبات عن «الحرس الثوري» مقابل خفض إيران للتصعيد، بالإضافة إلى قرار مجلس الشيوخ الأميركي الرافض لرفع العقوبات عن «الحرس الثوري»، والذي يمثل الحزبين «الديمقراطي» و«الجمهوري». حاولت إدارة بايدن الخروج بحلول تتجاوز بها عقبات مسألة الحرس الثوري، عبر إبقاء العقوبات على فيلق القدس، مقابل إزالة الحرس الثوري من العقوبات، إلا أن هذا الحل قوبل برفض الكونجرس مما أبقى المسألة عالقة.

ويبدو أن المفاوض الإيراني يرفض تماماً التنازل عن مسألة رفع العقوبات عن الحرس الثوري، كونها مؤسسة أمنية وعسكرية واقتصادية تملك العديد من المصانع والمؤسسات التجارية والاجتماعية، ولذلك لن تقبل إيران حل التجزئة لأنه سيبقي باب ملاحقة قادة الحرس الثوري مفتوحاً، في دلالة على صلابة الموقف الإيراني مقابل الموقف الأميركي الذي تنازل عن تعزيز الاتفاق الأصلي وتغيير مهله، ولم يتطرق إلى التحديات الأمنية التي تمر بها المنطقة، نتاجا لأنشطة إيران العدائية، والتي تهدد أمن حلفاء واشنطن التاريخيين في الشرق الأوسط. هناك تحديات عديدة تواجهها إدارة بايدن مع اقتراب الانتخابات النصفية في نوفمبر المقبل، خصوصاً بعد تفوق المرشحين «الجمهوريين» الذين دعمهم الرئيس السابق دونالد ترامب في ولايتي أوهايو وإنديانا في الانتخابات التمهيدية، بالإضافة إلى الأزمة الأوكرانية التي تشغل البيت الأبيض، ولذلك أتساءل إنْ كانت واشنطن ستستغل التصعيد في الأزمة الأوكرانية لتمرير الاتفاق النووي عبر «الفيتو» الرئاسي، أم أنها لن تستطيع مواجهة الكونجرس، مع الأخذ بالاعتبار أسبقية الرئيس السابق باراك أوباما في استخدام الفيتو الرئاسي لتمرير الاتفاق النووي، حين رفض الكونجرس حينها الموافقة على الاتفاق؟

هناك شعور يراود المحللين وأيضاً الدول المهتمة بشأن الاتفاق النووي سواء بالقبول أو الرفض، بأن هناك بروداً إيرانياً واضحاً تجاه الاستمرار في المفاوضات، وكأن إيران تستغل الخلاف لشراء الوقت، وكأن الوضعية الحالية تناسب طهران، فهي فرصة للتحرك في أجندات غامضة، قد تكون إحداها استمرار تطوير البرنامج النووي دون رقابة من الوكالة الدولية للطاقة الذرية بذريعة المفاوضات، وقد تكون استغلالاً للوضع الحالي الذي خففت به إدارة بايدن العقوبات مقارنة بعهد الرئيس السابق ترامب، أو على الأقل تساهلت في تطبيق العقوبات، وعادت إيران لحد ما إلى أسواق الطاقة العالمية.

من الصعب فهم استراتيجية السياسة الإيرانية التي تنتهج مبدأ «تصدير الثورة» عبر أدواتها من الميليشيات الإرهابية في المنطقة، والتي تستغل الفراغ الحاصل في مفاوضات الاتفاق النووي، للاستمرار في سياستها، لتفرض واقعاً جديداً في المنطقة، يحمي بقاء نظامها عبر الحصول على اللقب النووي.

* إعلامية وكاتبة بحرينية.