بعد سنوات طويلة في مدرسة المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان طيب الله ثراه، القائد الحكيم المتبصر ورائد النهضة التنموية والتحديثية للإمارات ومؤسس دولتها المعاصرة، تحمّل المغفور له الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان، رحمه الله، الأمانةَ باقتدار وجدارة لمدة ثماني عشرة عاماً رئيساً للدولة. وإذا كانت فترة الشيخ زايد هي فترة التأسيس وبداية النهوض والإقلاع التنموي، فإن فترة الشيخ خليفة كانت حقبةَ تجذير المكاسب ودفع كل مسارات وآفاق الريادة الشاملة على مختلف الأصعدة. 
كان الشيخ خليفة مشاركاً فاعلا في جهود بناء الدولة منذ اللحظات الأولى لقيامها، ولانطلاق الجهود من أجل تحديث بنياتها الاجتماعية الاقتصادية، ضماناً لرفاهية مواطنيها والمقيمين على أرضها من شتى أصقاع العالم. لقد عاش سنوات طفولته في واحات العين والبريمي، واختلط بالقبائل والسكان المحليين إلى أن أصبح واسع الاطلاع على أوضاع شعبه ومنطقته وشديد القرب من الناس الذين بادلوه المحبةَ والود.
كما كان الشيخ خليفة شاهد عيان على أكبر إنجاز قومي في تاريخ العرب المعاصر، وهو تأسيس الدولة الاتحادية التي أصبحت ركناً مكيناً من أركان المنظومة الخليجية والعربية وقوة فاعلة على المسرح الدولي.
كانت جهود الشيخ خليفة حاسمة في تطوير الاقتصاد النفطي والمالي للدولة الجديدة وبناء قدراتها العسكرية والأمنية وتطوير نظامها التربوي، ولقد اضطلع بكل المسؤوليات العليا التي أسندها اليه والده الشيخ زايد بنجاح باهر أهَّله لأن يكون ولي عهده وخليفته في قيادة الدولة.
وهكذا عندما تولى السلطة في عام 2004، بعد رحيل القائد الفذ الشيخ زايد طيب الله ثراه، استطاع بسهولة ويسر إدارة الدفة باقتدار، مواصلا جهودَ التنمية والتحديث الاقتصادي والاجتماعي، ومجنباً الدولةَ مصاعبَ ومطبات الأزمات الحادة التي عصفت بالمنطقة في العقدين الأخيرين. وكانت سنوات حكمه الأولى قد تزامنت مع أحداث وتحولات جوهرية شهدتها المنطقة والعالم، فاستطاع أن يحافظ للإمارات على دورها الفاعل في الأجندة الإقليمية والدولية.
وعلى المستوى الداخلي، اتجهت جهود الشيخ خليفة إلى تعزيز وشائج المواطنة وتعميق الولاء للدولة الجامعة، إلى أن أصبحت الهوية الوطنية الإماراتية بمنأى عن أي اهتزاز أو تراجع في مرحلة شهدت اضطراب وتفكك الكيانات الوطنية في ساحات عربية عديدة.
كما أن الاستراتيجية التنموية الفريدة التي رعاها الشيخ خليفة حققت لاقتصاد الإمارات نقلةً نوعيةً جعلته قاطرةً كبرى للتجارة الدولية ومحوراً إقليمياً صاعداً بقوة.
كل الإماراتيين يذكرون حكمةَ الشيخ خليفة ونزعتَه الإنسانيةَ المكينةَ وروحَه الوطنيةَ الصلبةَ، وعقليتَه المنفتحةَ المتسامحةَ.. كما يذكرون حرصَه الدائمَ على إسعاد المواطن وضمان حقوقه ورفاهيته. كما يذكر العربُ كلُّهم مواقفَ الشيخ خليفة في توطيد التضامن العربي ومساعدة ودعم الدول العربية، سيراً على نهج والده المنعَّم.
إن رحيل الشيخ خليفة إلى دار البقاء فاجعة كبرى في الإمارات وفي المنطقة برمتها، وعزاؤنا أن هذه الدولة بيد أمينة وأوضاعها ثابتة مستقرة ومؤسساتها صلبة.
رحم الله الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان، وإنا لله وإنا إليه راجعون.

أكاديمي موريتاني