الارتفاع الهائل في أسعار المخصبات الكيماوية يتسبب في مشاق تمتد عبر الخريطة الزراعية في الولايات المتحدة. لكن هناك بصيص أمل. فالسماد العضوي يعود إلى الخريطة عودة مطلوبة للغاية. فالمزارعون في الولايات المتحدة لا يستطيعون الحصول على ما يكفي من سماد الدجاج والخيول والماشية. ولأن كلفة الأسمدة التجارية زادت ثلاثة أمثال في الأشهر القليلة الماضية، زاد الطلب على السماد العضوي في الولايات الزراعية الكبرى مثل آيوا ونبراسكا وإيلينوي. والسماد العضوي الآن أرخص بنحو 25% من المخصبات الاصطناعية، وهذه حجة كافية لتجعل كثيرين من المزارعين يتحولون إلى السماد العضوي. لكن ليست هذه هي الحجة الوحيدة. فقد يؤدي التحول من المخصبات الكيماوية إلى الأسمدة العضوية إلى تقليص كبير في انبعاثات غازات الاحتباس الحراري وفي تسرب السموم من المزارع، كما يؤدي إلى تحسن جودة المياه وإعادة بناء الصحة المتردية للتربة المشبعة بالمواد الكيميائية منذ عقود، والمساعدة في إنعاش اقتصاد الريف. 
فقبل الحرب العالمية الثانية، كانت الأراضي الزراعية في الولايات المتحدة تُخصب أساساً بالسماد الحيواني، لكن بحلول منتصف القرن العشرين أدى إنتاجنا التجاري للمحاصيل والماشية إلى خلل شديد في دورات النيتروجين الطبيعي. وفي مقابل الإفراط في استخدام الأسمدة الكيماوية في بعض المناطق، تراكمت جبال من السماد الحيواني غير المستخدم في مناطق أخرى. والاتجاه الحالي نحو الأسمدة الطبيعية يستفيد من حكمة الزراعة التقليدية المتمثلة في المزاوجة بين تربية الماشية وإنتاج المحاصيل والاستعادة التدريجية للتوازن الصحي للنيتروجين في أنظمتنا الغذائية. وفي العقود القليلة الماضية تباينت حظوظ تفضيل السماد الحيواني كبديل للأسمدة الكيماوية، فقد تفاوت صعود وتراجع شعبيته بحسب تقلبات أسعار الطاقة. فهناك مخصبات كثيرة تُشتق من النفط والغاز الطبيعي. وساعد انتعاش سوق النفط عام 2008 في بداية الأمر في ظهور سوق حديث للسماد العضوي، لكن المزارعين عادوا مرة أخرى إلى للمخصبات الاصطناعية بمجرد أن أصبحت ميسورة الكلفة. وحدث إقبال جديد على السماد العضوي عام 2012 مع ارتفاع أسعار الوقود الأحفوري، لكن هذا الإقبال لم يصمد أيضاً. 
لكن هذه المرة مختلفة، وهذه الموجة قد تستمر، بحسب قول دانيال أندرسون، الأستاذ بجامعة ولاية أيوا. فالمزارعون يكتسبون الثقة في السماد العضوي، وتقنيات معالجته وتوزيعه تتحسن بسرعة. لكن الانتعاش الحالي للسماد العضوي لن تستمر ما لم يتدخل القطاعان العام والخاص للمساعدة في تحفيز الطلب على السماد الحيواني ودعم الاستقرار في سوق متقلبة. ووزارة الزراعة الأميركية تعتزم تدشين برنامج منح بقيمة 250 مليون دولار هذا الصيف لدعم منتجي الأسمدة العضوية. وهذه خطوة مهمة لكن ينبغي بذل المزيد لتحفيز نمو السوق. 
وما زال سوق السماد العضوي صغيراً ويصعب قياسه مقارنة بسوق المخصبات العالمي التي تبلغ قيمتها 171 مليار دولار. والمخصبات الكيماوية أكثر تركيزاً بمرات كثيرة في محتواها من النيتروجين والبوتاسيوم والفوسفور من الأسمدة العضوية، كما أن رائحتها أقل نفاذية بكثير مما يجعلها أسهل في التعامل معها ونقلها لمسافات طويلة وتوزيعها بدقة في الحقول. بينما روث الحيوانات لا يمكن نقله بسهولة. فروث الحيوانات يُنقل بالجواريف في شاحنات أو تنقله خراطيم طويلة إلى المزارع المجاورة، وهو من الأسواق شديدة المحلية، ولا تعبر الأسمدة العضوية حدود الولايات إلا نادراً. لكن عمليات إنتاج الثروة الحيوانية في الولايات المتحدة تنتج مليار ونصف طن من السماد العضوي الغني بالنيتروجين الصلب سنوياً. وعلى مدار، عقود أُهدرت قيمة هذا المورد. والسماد الحيواني يحفز ميكروبيولوجيا التربة ويضيف مواداً عضوية، وهذا يحسن الإنتاجية على المدى الطويل ويعزز القدرة على امتصاص التربة للكربون. فمقابل كل زيادة بنسبة 1% في المادة العضوية، يمتص كل إكر نحو 10 أطنان إضافية من الكربون. وهذا يقدم قيمة مضافة للمزارعين الراغبين في دخول الأسواق الناشئة لامتصاص التربة للكربون. كما أن المخصبات الصناعية تتبخر من الحقول لتكون أكسيد النيتروز، وهو غاز أشد 20 مرة من ثاني أكسيد الكربون كسبب في تأجيج الاحتباس الحراري. 

والاضطرابات المتزايدة في سلسلة التوريد بأسواق المخصبات العالمية الناتجة عن الهجوم الروسي على أوكرانيا تعزز القلق من ضغوط تغير المناخ المتصاعدة على الزراعة، وهذا يساهم في إقناع المزارعين بقيمة الأسمدة العضوية. فقد تحول آبي ساندكويست، وهو ناشط سابق في الحفاظ على التربة في وزارة الزراعة الأميركية، إلى مستثمر في السماد العضوي. وقضى «ساندكويست» عقوداً في إنشاء سوق للسماد العضوي في الغرب الأوسط. والآن تحظى إمداداته بإقبال كبير. ويؤكد أن المزارعين أصبحوا يدركون أن السماد العضوي أفضل من المخصبات التجارية. وبعد أن أصبح ساندكويست غير قادر على تلبية الطلب، يبرم حالياً عقود بيع بالأجل لما يجمعه من سماد عضوي. لكن كثيرين من المستثمرين الجدد في الأسمدة العضوية يخشون من تقلص الاهتمام بالسماد العضوي عند انخفاض أسعار الأسمدة الكيماوية بمجرد انتهاء الحرب في أوكرانيا. 

ورغم الفوائد الهائلة للسماد العضوي في الزراعة المتعطشة للمخصبات، لم يُبذل حتى الآن أي جهد منسق لإنشاء، على سبيل المثال، مرافق للسماد العضوي المحلي والإقليمي تجمع وتعالج وتركز الروث حتى يسهل التعامل معه ونقله. ويجب على وزارة الزراعة الأميركية المساعدة في إنشاء مرافق المعالجة تلك كمشروعات ريادية. ويجب عليها أيضاً تحفيز ومكافأة المزارعين الذين يتحولون إلى الأسمدة العضوية، وخاصة أولئك الذين يلتزمون بعقود طويلة الأجل قد تساعد في ترسيخ الاستقرار في السوق. وللحفاظ على استمرار الزخم، تستطيع وزارة الزراعة، مع مستثمري القطاع الخاص، الاستثمار في الجيل الجديد من الشركات التي تعمل على تطوير سوق السماد العضوي. فهذه الشركات الناشئة تحتاج إلى دعم القطاعين العام والخاص في توسيع نطاق عملياتها. الآن، آخيراً، أصبح ينظر إلى السماد العضوي باعتباره كنزاً، بعد أن كان ينظر إليه على أنه نفايات زراعية. ويجب على قادة القطاعين العام والخاص في الزراعة القيام بدورهم لضمان استمرار الإقرار بقيمته. 

 

أستاذة الصحافة والكتابة في العلوم بجامعة فاندربيلت الأميركية

ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»