باختيار أعضاء المجلس الأعلى للاتحاد، حكام الإمارات، صاحبَ السمو الشيخ محمد بن زايد رئيساً للدولة، تكون صفحة جديدة مشرقة قد فتحت في الإمارات وفي المنطقة عموماً. إذا كان الشيخ زايد هو مؤسس الدولة وموحدها وصانع الثورة التنموية، والشيخ خليفة قائد التمكين، فإن الشيخ محمد بن زايد هو من سيعزز المكاسب والمنجزات وينقل دولة الإمارات الناهضة إلى قمة الريادة والتقدم، كما سيعمل على مد إشعاع النموذج الإماراتي في المحيطين العربي والدولي.

والواقع أن هذه التوجهات النوعية قد بدأت في السنوات الأخيرة برعاية وقيادة الشيخ محمد بن زايد شخصياً في مناح ثلاث أساسية، نشير إليها باقتضاب: أولها؛ نقل المشروع التنموي الوطني من مرحلة الإقلاع الاقتصادي الشامل والتوسع التكنولوجي المتسارع والحركية التجارية الحيوية، إلى أفق تأهيل الإمارات لتكون قاطرة للاقتصاد الإقليمي ومحوراً أساسياً من محاور منظومة العولمة الكونية.

وقد تطلَّب هذا النقل مراجعةً شاملةً للسياسات والخطط والتشريعات العمومية، كما تطلب تبيئة واستقطاب محددات الثورة التكنولوجية الراهنة ضمن منظور جديد للتقدم الصناعي والتقني. ثانيها؛ وضع مقاربة استراتيجية جديدة للدولة ضمن دوائر اهتماماتها الخليجية والعربية والإقليمية بالمفهوم الأوسع انتهاءً بالسباق الدولي المحيط.

إن هذه المقاربة تحكمها مبادئ ثلاث واضحة هي: دعم الاستقرار والسلم الأهلي وسيادة الدولة الوطنية، وتنويع الشراكات الإقليمية والدولية بحسب خارطة توزع القوة الجيوسياسية الجديدة للعالم، ومواجهة مخاطر التطرف والإرهاب والتشدد الديني المتأدلج. لقد سمحت هذه المقاربة بعدة مكاسب بادية للعيان من بينها: الاعتراف الدولي الصريح بمكانة الإمارات ودورها الفاعل في مختلف الأجندات العالمية، ومساهمة الإمارات النوعية في حفظ سلامة واستقرار دول المنطقة في مواجهة قوى التطرف والفوضى وتحكم المليشيات المدعومة خارجياً، وتكريس معايير التوازن والتضامن والتعاون في العلاقات مع الأطراف الإقليمية والدولية.

ثالثاً؛ تحويل الإمارات إلى قطب ثقافي عربي وعالمي يحتضن الفكر والإبداع ويتبنى قيم التسامح والانفتاح والحوار ضمن منظور إنساني كوني رحب. لقد تحولت الإمارات في السنوات الأخيرة إلى عاصمة دائمة للثقافة العربية الإسلامية بمؤسساتها العلمية والتربوية ومراكزها البحثية وجوائزها التقديرية والتكريمية.

كما أن الإمارات أصبحت الراعي الأول لمبادرات الحوار والتفاعل الحضاري، والبلد الأول الذي يجرّم ازدراء الديانات والرموز المقدسة ويخصص قطاعاً وزارياً كاملا للتسامح والتعايش السلمي. إن هذا المكاسب تعكس سمات بارزة في شخصية صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد رئيس الدولة الذي يمثل نموذجاً للقيادات العربية المطلوبة في هذه المرحلة الخطيرة والحساسة من تاريخ العرب والعالم.

لقد كانت بصمات هذا القائد العربي المتبصر ظاهرة في الأزمات الحادة التي عصفت بالعالم العربي في السنوات الأخيرة، من حرب اليمن التي اقتضت دعماً من جانب التحالف العربي إلى جانب السعودية في الدفاع عن الحكومة الشرعية، حيث اضطلعت الإمارات بجانب كبير من أعباء هذا الدور، إلى مصر حيث كان حضور الإمارات ملموساً وحاسماً في الدفاع عن أمن واستقرار الدولة ودعم مشاريع الإصلاح الاقتصادي التي تمت فيها خلال السنوات الأخيرة.

إنه الدور نفسه الذي برز في توجهات الشيخ محمد بن زايد في مختلف الساحات العربية المتأزمة والمنكوبة في المشرق والمغرب. ولا شك في أن ثقافة سموه الواسعة والمتنوعة وخصاله الخلقية العالية وتواضعه الجم وقربه من المواطن وحرصه القوي على الحوار والنقاش الجاد والموضوعي.. مؤهلات نادرة تخوله لتحمّل الأمانة الكبرى في هذا البلد المحوري الذي يستقطب اهتمام العالم بأسره.

في لحظة من أخطر لحظات تشكل النظام الدولي وفي مرحلة من أصعب مراحل التحول السياسي والمجتمعي في العالم العربي، تظهر الحاجة الماسة إلى قيادة بعيدة النظر وعميقة التفكير مثل الشيخ محمد بن زايد، من أجل المحافظة على المنجز التنموي وتطويره داخل الدولة ومن أجل تحصين المنظومة الأمنية الإقليمية في مقابل التحديات الداخلية والخارجية الخطيرة التي تنخر النظام العربي المتداعي.

ومن هنا وجاهة الرهان على هذا القائد المحنك الذي عرف مسارات وأروقة الديبلوماسية الدولية، واطلع أوسع الاطلاع على الملفات الإقليمية المفتوحة، وأدرك بقوة متطلبات التكيف والتأقلم مع الحقائق الكونية الراهنة. وحاصل الأمر أن الشيخ محمد بن زايد هو بدون شك رجل المرحلة داخلياً وإقليمياً، ولذا فإن اختياره المستحق رئيساً لدولة الإمارات يشكل بارقةَ أمل كبير في بلاده وفي عالمنا العربي ككل.

*أكاديمي موريتاني