طمأنت منظمةُ الصحة العالمية دولَ وشعوبَ العالَمِ، بإعلانها أول أمس الثلاثاء أن الانتشار الحالي لفيروس جدري القردة من الممكن السيطرة عليه، وأن الوضع لا يقارن من قريب أو من بعيد مع وباء «كوفيد-19»، حيث يظل احتمال انتشار المرض بين عدد كبير من الأشخاص محدوداً لدرجة كبيرة. ويعود السبب في ذلك إلى حقيقة أن الفيروس المسبِّب لهذا المرض، لا ينتشر بسهولة، وإنما غالباً عن طريق التواصل الجسدي اللصيق مع شخص أو حيوان مصاب، أو من خلال ملامسة الملابس والمتعلقات الشخصية لمريض مصاب بالطفح الجلدي، بما في ذلك البطانيات والأفرشة وأغطية السرير. كما أن التطعيم ضد مرض الجدري العادي، وبعض أنواع العقاقير المضادة للفيروسات الأخرى يمكنها أن تخفف من الأعراض، وغالباً ما يتعافى المصابون تماماً في غضون بضعة أسابيع.
وإن كان هذا لا يعني الاستهانة بالمرض، بل يجب أخذ الحذر والحيطة، مع المراقبة والمتابعة المستمرين من قبل الجهات الصحية الوطنية والدولية المختصة، خصوصاً أن عدد الحالات تخطى حالياً المئة في 16 دولةً، خارج وسط وغرب أفريقيا الموطن الأصلي للفيروس، بما في ذلك الولايات المتحدة وكندا وأستراليا وأوروبا، ومؤخراً الدنمارك واسكتلندا.
ويعتبر جدري القردة من الأمراض المعدية، وقد تم عزل الفيروس المسبب له أول مرة عام 1958 في مجموعة من القردة (وهذا سبب التسمية) في معمل بمدينة كوبنهاجن الدنماركية، وتم تشخيص أول إصابة لإنسان به عام 1970. ويتوطن المرض بعض دول وسط وغرب أفريقيا، مع انتقال محدود جداً بين البشر حتى في هذه الدول، وإن شكَّل وباءً محدوداً في الولايات المتحدة عام 2003، وكان مصدرُه محلاً لبيع الحيوانات الأليفة المستوردة من غانا.
وتتشابه أعراض المرض مع الأمراض الفيروسية الأخرى التي تسبب طفحاً جلدياً وبثوراً، مثل الجدري العادي والجدري المائي والحصبة.. في شكل حمى وصداع وشعور بالإرهاق، وإن كان يميز هذا المرض تورم الغدد الليمفاوية، ليظهر لاحقاً طفح جلدي وبثور، وخصوصاً على الوجه والكفين والقدمين. وتبلغ فترة الحضانة، أي الفترة بين التعرض للعدوى وظهور الأعراض، ما بين خمسة إلى واحد وعشرين يوماً، بينما تستمر الأعراض بعد ظهورها فترةً من أسبوعين إلى أربعة أسابيع.
وتتطلب التوصيات الطبية عزل الأشخاص الذين كانوا في تواصل لصيق مع حالة إصابة مؤكدة، لمدة 21 يوماً على الأقل. ويَمنح التطعيمُ المتاح ضد الجدري العادي وقايةً بنسبة 85 في المئة. وقد نجحت شركةٌ دنماركيةٌ في تطوير تطعيم ضد الفيروس، حصل على اعتماد الاتحاد الأوروبي عام 2013، وعلى اعتماد الجهات المختصة في الولايات المتحدة عام 2019. ويذكر هنا أيضاً أنه لا يعتقد أن الفيروس قد تعرّض مؤخراً لطفرة جينية غيّرت من تركيبته الوراثية، وإن كان السبب خلف وقوع هذا الوباء المحدود حالياً لا يزال غير واضح.

كاتب متخصص في القضايا الصحية والعلمية