«دافوس» في مواجهة الشعبوية
هنري أولسن
الحاضرون في «المنتدى الاقتصادي العالمي» السنوي هذا الأسبوع في دافوس، في سويسرا، في مزاج كئيب؛ لأن السنوات القليلة الماضية نسفت حلم العولمية غير المقيدة الذي كان يراودهم في وقت تكشف فيه الحرب والمرض والتضخم والمجاعة أخطارها وسلبياتها. غير أن قلقهم تأخر كثيراً.

يقوم الإيمان العولمي على ثلاث أفكار خاطئة: الأولى - أن التجارة غير المقيدة مع بلدان العالم الفقيرة ستفيد العالم النامي - هي الأكثر خطأ على الإطلاق. ذلك أن تفشي اللامساواة الاقتصادية في الولايات المتحدة، وغيرها من الاقتصادات المتقدمة يُعد نتيجة لزيادة العائدات بالنسبة لأصحاب التعليم العالي وركود الأجور بالنسبة للعمال غير المهرة. ويمثل صعود قوى العولمة، على اليسار وعلى اليمين، نتيجة لتلك الأفكار الخاطئة.

الهجوم الروسي على أوكرانيا كشف الفكرة الثانية التي يُساء فهمها. هذه الفكرة مفادها أن الميول العدوانية ستُكبح جراء الاعتماد الاقتصادي المتبادل مع الغرب. الأوروبيون كانوا يظنون حقاً، أنه حينما يجد الجد، فإن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين سيؤْثر الثروة على القوة العسكرية. ولكن تبين الآن أن ذلك كان خطأ! أما الفكرة الخاطئة الثالثة، فهي أن سلاسل التوريد ستظل دائماً مفتوحة وحرة.

والحال أن تأثير «الجائحة» المتواصل على الصين يُظهر أن هذا الاعتقاد خاطئ تماماً. فاليوم، أخذت الشركات تدرك أن هناك مخاطر كبيرة جداً في نقل عمليات الإنتاج وترحيلها إلى دول تبعد بآلاف الأميال وبعض بحار ومحيطات. والحال أنه لو كانت تلك المصانع تقع داخل الغرب، فإن الأعمال والتجارة كانت ستضغط على حكومات منتخَبة ديمقراطياً من أجل إحداث توازن بين الضرر الاقتصادي للإغلاقات في مقابل المكاسب الصحية المفترضة. ولكنها لا تملك أي نفوذ من هذا القبيل على الصين وحكومات أجنبية أخرى، ما يجعلها عاجزة في وقت تفشل فيه في تلبية الطلبيات.

والواقع أنه لا أحد ينكر أن العولمية شكّلت نعمة كبيرة لفقراء العالم. فنسبة سكان العالم الذين يعيشون في فقر مدقع، كما يقاس من قبل البنك الدولي، انخفضت من 36% في 1990 إلى نحو 9% اليوم. هذا الانخفاض كان حاداً بشكل خاص منذ أن انضمت الصين إلى منظمة التجارة العالمية في 2001، حيث انخفض من أقل من 30% بقليل إلى مستواه الحالي. وهذا يمثّل تقدماً كبيراً جداً، ولا يمكن لأي شخص محترم أن ينكر فضل العولمية في هذا الإنجاز.

بيد أن الحكومات الديمقراطية ليست موجودة من أجل تمويل تقدم دول أخرى. فمسؤولياتها الرئيسية هي دعم بلدانها. وسيكون رائعاً إن استطاعت تحقيق ذلك ومساعدة آخرين في الوقت نفسه، غير أن أي زعماء منتخَبين لن يبقوا في مناصبهم طويلاً إن تجاهلوا احتياجات الجمهور في الداخل.

 

*زميل مركز «الأخلاق والسياسة العامة» في واشنطن. 

ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس» هنري أولسن*