دعاني الرئيس بايدن لوجبة غداء في البيت الأبيض الاثنين الماضي. ولكن حديثه معي ليس للنشر، ولهذا لن أستطيع أن أخبركم بأي شيء مما قاله. غير أنني أستطيع أن أقول لكم شيئين اثنين: ماذا أكلت وكيف كان شعوري. فقد تناولت سندويتش سلطة تونة مع الطماطم على خبز أسمر، مع صحن فواكه مشكلة.

وما شعرت به بعد ذلك كان التالي: إلى كل المتهورين على قناة «فوكس» الذي يقولون إن بايدن لا يستطيع تركيب جملتين معا، إليكم هذه الحقيقة: لقد أعاد للتو توحيد حلف الناتو، وأوروبا، والتحالف الغربي برمته معا – من كندا إلى فنلندا ومنها إلى اليابان – من أجل مساعدة أوكرانيا، بشر سريع للمدربين الأميركيين والمدربين التابعين للناتو وعمليات النقل الكبيرة للأسلحة الدقيقة. وفضلا عن ذلك، لم يتم فقدان أي جندي أميركي. غير أنني للأسف غادرت غدائي ببطن مملوءة وقلب حزين. بايدن لم يستخدم كلمات كثيرة ليقول لي ما قاله، ولكنه لم يكن مضطرا لذلك.

فقد كنت أستطيع سماع ذلك بين السطور: إنه قلق لأنه أعاد توحيد الغرب، فإنه قد لا يكون قادرا على إعادة توحيد أميركا. من الواضح أنها أولويته، أكثر من قانون «إعادة البناء بشكل أفضل».

وهو يعلم أنه لهذا السبب انتُخب – ذلك أن أغلبية من الأميركيين كانوا قلقين من أن تنهار البلاد وتتفكك، وكانوا يرون أن هذا السياسي المخضرم الذي يدعى بايدن، بميوله إلى التوافقات بين الحزبين، هو الشخص الأفضل لتوحيدنا وإعادة رص صفوفنا من جديد.

إنه السبب الذي حدا به للترشح أصلا، لأنه يعرف أنه من دون قدر من وحدة الهدف والاستعداد لتقديم تنازلات، فلا شيء آخر ممكن. ولكن مع مرور كل يوم، وكل حادث إطلاق نار جماعي، وكل رسالة عنصرية مشفرة، وكل مبادرة ترفع شعار «أوقفوا تمويل الشرطة»، وكل حكم للمحكمة العليا يفتّت الأمة، وكل ادعاء زائف بوجود غش أو تزوير في الانتخابات، أتساءل ما إن كان يستطيع أن يعيد توحيدنا. وأتساءل ما إن كان الأوان قد فات.

أخشى أن نكسر شيئا ثمينا للغاية. وحينما نكسره، سيرحل ويختفي – وقد لا نستطيع أبدا استعادته. إنني أتحدث عن قدرتنا على نقل السلطة بشكل سلمي وشرعي، قدرة أظهرناها منذ تأسيس بلدنا. فالنقل السلمي والشرعي للسلطة هو حجر الزاوية بالنسبة للديمقراطية الأميركية. إذا كسرته، لن تشتغل مؤسساتنا طويلا، وسنُقذف إلى فوضى سياسية ومالية.

ونحن في الوقت الراهن نحدق في تلك الهاوية. لأن الأمر مختلف أن تنتخب دونالد ترامب والمرشحين الموالين لترامب الذين يريدون تقييد الهجرة، وحظر عمليات الإجهاض، وتقليص ضرائب الشركات، وضخ مزيد من النفط، وكبح التربية الجنسية في المدارس، وتحرير المواطنين من إلزامية ارتداء الكمامات خلال الجوائح... فتلك سياسات يمكن أن يكون حولها خلاف مشروع، وهذا حال السياسة.

غير أن الانتخابات التمهيدية الأخيرة والتحقيقات المتعلقة بتمرد 6 يناير في مبنى الكابيتول تكشف عن حركة من قبل ترامب وأنصاره لا تحركها أي مجموعة منسجمة من السياسات، وإنما كذبة كبيرة جدا – مفادها أن بايدن لم يفز بشكل حر ونزيه بأغلبية أصوات المجمع الانتخابي، وبالتالي، فإنه رئيس غير شرعي.

ولهذا، فإن أولويتهم الأولى هي تنصيب مرشحين ولاؤهم الأول لترامب و«ادعاءاته الكبيرة» – وليس للدستور. وهم يلمحون بل يشيرون صراحة إلى أنه في أي انتخابات تكون نتائجها متقاربة في 2024، أو حتى انتخابات لا تكون نتائجها متقاربة – سيكونون مستعدين لتجاهل القواعد والمعاير الدستورية القائمة ومنح تلك الانتخابات لترامب أو مرشحين «جمهوريين» آخرين لم يحصلوا على معظم الأصوات في الواقع. ثم إنهم لا يهمسون بهذا البرنامج، بل يبنون ترشحهم عليه. باختصار، إننا نرى حاليا حركة وطنية تقول لنا علانية وبصوت عال: إننا ذاهبون إلى هناك.

وبالعودة إلى غدائي مع بايدن، من الواضح أنه قلق لأننا لئن أنشأنا تحالفا عالميا لدعم أوكرانيا والدفاع عن المبادئ الأميركية الجوهرية في الخارج – الحق في الحرية وتقرير المصير لكل الشعوب – فإن الحزب «الجمهوري» حاليا يتخلى عن أغلى مبادئنا في الداخل. ولهذا، قال كثير من قادة التحالف لبايدن حينما أعاد وفريقه إحياء التحالف الغربي من حالة التشظي التي تركه عليها ترامب، «الحمد لله أن أميركا عادت». قبل أن يضيفوا: «ولكن لكم من الوقت؟».

بايدن لا يستطيع الإجابة عن ذاك السؤال، لأننا لا نستطيع الإجابة عن ذاك السؤال. والحق أن بايدن ليس من دون ذنب ويتحمل بعض المسؤولية عن هذا الوضع الصعب، شأنه في ذلك شأن الحزب «الديمقراطي» -- ولاسيما جناحه في أقصى اليسار.

فنظرا للضغط الذي تعرض له من أجل إعادة إحياء الاقتصاد، والمطالب الباهظة والكبيرة من أقصى اليسار، انتهج بايدن إنفاقا باهظا لفترة طويلة جدا. كما لطّخ «ديمقراطيو» مجلس النواب أحد أهم إنجازات بايدن التي حظيت بدعم كلا الحزبين – مشروع قانون ضخم يتعلق بالبنية التحتية – عبر جعله رهينة لمطالب أخرى تتميز بالإنفاق المفرط.

ومن أجل هزم الحركة الترامبية لا نحتاج سوى لمغادرة 10%، مثلا، من «الجمهوريين» لحزبهم والانضمام إلى بايدن في يسار الوسط، وهو ما انتُخب من أجله. ولكننا قد لن نستطيع الحصول حتى على 1% من «الجمهوريين» من أجل التغيير إذا نُظر إلى «ديمقراطيي» أقصى اليسار على أنهم هم من يحددون مستقبل الحزب. ولهذا تركتُ غدائي مع الرئيس ببطن مملوءة وقلب حزين.

كاتب وصحافي أميركي

ينشر بترتيب خاص مع خدمة «نيويورك تايمز» https://www.nytimes.com/2022/05/22/opinion/biden-trump-republicans-democrats.html