تقدّم الدول الملكية اليوم للعرب والمسلمين أكبر الدروس التنموية والسياسية، الاستقرار في بيت الحكم، والانتقال الطبيعي للسلطة من جيلٍ إلى جيل بات واضحاً. تحشرجت الأصوات الحائرة والجائرة في الخارج والتي تستهدف الملكيات الخليجية بذرائع الديموقراطية أو العدالة. والديموقراطية مفهوم عادي مثله مثل غيره من المفاهيم السياسية والتي خضعت للمراجعة الفلسفية، بل إن تطبيق الديموقراطية بالمعنى الحرفي للكلمة لا يصلح لجميع الأمم والدول أو الثقافات، يؤكد على ذلك الفيلسوف وعالم الاجتماع الألماني ماكس فيبر في كتابه:«البروتستانتية وروح الرأسمالية»، إذ يعتبر النموذج الذي وصل إليه الغرب ليس من المؤكد نجاحه في الشرق، وخصّ بذلك الحديث عن «الصين»، وإدوار سعيد تحدّث ولخصّ مقولة كارل ماركس عن طبيعة الحكم بالشرق.

ما وصلت إليه الدول الغربية جاء ضمن الظروف التي رزح تحتها، صحيح أن ثمة مشتركات بين المجتمعات من حيث البحث عن المخرج من مآزق التطرف والكراهية، وأن نظريات فولتير ولوك وفلاسفة الأنوار لا بد من الاستفادة منها من قبل المسلمين، لكن هذا لا يعني أن النتجية النهائية لكل ذلك التغيير يجب أن يصل إلى الديموقراطية العرجاء التي لم تقدم للعرب ولا للمسلمين نموذجاً تنموياً يمكن أن يحتذى، حتى الديموقراطيات في دول نامية تحوّلت تدريجياً إلى نموذج غاية في السوء من الحكم بل وصلت إلى استبدادٍ فج كما يحدث في بعض الدول الآسيوية.
غاية الحكم كما يقول ديفيد هيوم الفيلسوف الكبير أن يحقق الأمن والرفاهية، هذه هي الفكرة القصوى لمعنى الإدارة السياسية، وأن يكون الحاكم قوياً على من خالف القانون، وعطوفاً وأبوياً على من امتثله. أعيد التذكير بما كتبتُه من قبل ضمن سلسلة كتابات مطولة عن الحكم الملكي، يكتب هيوم:«إن من الممكن تشكيل حكومة حرة، كحكم شخص واحد، ليكن دوقاً أو أميراً أو ملكاً له نصيب كبير من السلطة، ويشكل توازناً مناسباً لأطراف السلطة التشريعية الأخرى. هذا الحاكم الرئيسي يمكن أن يكون بالانتخاب أو الوراثة، ورغم أن الحالة الأولى قد تبدو لدى النظرة السطحية هي الأفضل، فإن نظرة مدققة أكثر ستكشف أن فيها إشكالات أكثر مما يوجد في الأخيرة التي تقوم على أسسٍ وأسباب دائمة لا تتغير. فتسنم العرش في حكمٍ كهذا، نقطة ذات أهمية كبيرة وعامة جداً بحيث لا تقسم الشعب كله إلى قسمين، وبالتالي يخشى من نشوب حربٍ أهلية، هي شر الأخطار، لدى كل شغور للعرش».
هيوم الفيلسوف الإنجليزي وقف بحذرٍ أمام التحوّل الدستوري للملكية في بلاده، فكتب:«إن كان لدينا من داعٍ لأن نكون حذرين من الحكم الملكي، لأن الخطر أكثر بروزاً من تلك الجهة، فإن لدينا أيضاً ما يدعونا لأن نكون أكثر حذراً من الحكم الشعبي، لأن ذلك الخطر مرعب أكثر، وذلك يمكن أن يعلمنا درساً في الاعتدال في كل جدالاتنا السياسية».
تجربة التنمية في الملكيات الخليجية أثبتت أن الزعيق ضد هذه الأنظمة المستمر منذ سبعة عقود لم يخلق للدول العربية الأخرى أي فكرةٍ تنموية، ما قيمة أن أقترع وأنتخب إن لم تكن الدولة قادرة على تحقيق أبسط أمور الرفاهية، كان الله في عون الشعوب التي قمعتها الديموقراطية وأكلت أموالها وسلبت حريتها، وقهرت نفوسها.

* كاتب سعودي