تحرص كل دولة أن تشكل موقفَها وفق مصالحها الوطنية، وتتخذ حياداً نسبياً تقترب فيه أو تبتعد.. وتحاول تحريك زوايا مقاربتها في حرب أوكرانيا وروسيا، حيث تتقاطع بؤرة التدخلات الإقليمية والدولية، مما يصعب المحافظة على روح الحياد، من حيث إن «الحياد بحر لا ساحل له».
ويمكن الحكم على ما يجري في أوكرانيا بأنه «حرب أميركية روسية على أرض أوكرانيا»، وذلك ما يجعل هذه الحرب معقدة وربما يربطها بتراكمات «الحرب الباردة». 
وإذا ما قاربنا تداعيات هذه الحرب على الصعيد العربي، فسنلاحظ فيما يتصل بالعلاقات السعودية الروسية أنه في مايو 2017 كانت زيارة الأمير محمد بن سلمان إلى موسكو التي مهدت لزيارة خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز آل سعود إلى موسكو. وبهذا المستوى الدبلوماسي الرفيع، تعززت العلاقة بين البلدين وتم توقيع عدة اتفاقيات سياسية وعسكرية، وبالطبع كان ذلك لافتاً لانتباه الجانب الأميركي.
تداعيات هذه الحرب فيها ما هو لصالح المنطقة، مثل ارتفاع أسعار الطاقة لصالح اقتصاد دول الخليج العربية، لاسيما في ظل إصرار الرياض وأبوظبي على الالتزام باتفاق «أوبك +»، مما دفع واشنطن إلى التنبه مجدداً لحلفائها القدامى، بعد أن شغلها الاتفاق النووي وانحراف البوصلة. هذا الاستنتاج، أعاد للرئيس بايدن تفكيرَه، ومحاولة تعزيز مبدأ الولايات المتحدة الأميركية كقائد للنظام الدولي، وكقائد حريص على البقاء في منطقة الشرق الأوسط. ولهذا فقد شهد مؤتمر دافوس حلقة نقاشية حول «هيكلة جديدة في الشرق الأوسط».
وفي هذه الأثناء طرأت متغيرات مهمة في المنطقة، عززت موقف دول الخليج العربية، تمثلت في مصالحة تركيا مع كل من الإمارات والسعودية، إضافة إلى التقارب التركي المصري الذي يتفاعل بصورة إيجابية. 
وإضافة إلى تدخل تركيا في العراق لصالح التقارب بين أربيل وبغداد، فقد قامت بتجديد تعاونها بقوة مع إسرائيل في عدة مجالات. طهران أعربت عن تحسسها من التقارب التركي الخليجي، وعبّرت عن ذلك بغضب في أحد المواقع الإلكترونية التابعة للحرس الثوري، وهو موقع «جوانان» الذي كتب أن «تركيا تؤجر سياستها الخارجية لصالح السعودية». وفي مقال للسيد هادي محمد انتقد فيه ثلاث دول خليجية وتركيا وإسرائيل وعبر عن مخاوف من التعاون التركي الإسرائيلي الذي يشعِر الإيرانيين بالقلق، ومن المصالحة التركية السعودية التي رأى أن لديها القدرة على جذب مزيد من الدول إلى أجندة إقليمية موحدة، وأن أنقرة لها القدرة على إدخال إسرائيل ضمن هذه الدول. 
جاءت المنحة لتركيا من محنة روسيا في أوكرانيا، ما جعل أنقرة تتحدث عن توسيع «المنطقة الآمنة» في شمال سوريا، ويبدو أن واشنطن تشجعها، تمهيداً لعودة اللاجئين السوريين، وهذا ما سيزعج التواجد الإيراني مستقبلاً، خاصة مع وجود تعاون تركي سعودي. 
وفي ظل زيارة الرئيس بايدن المتوقعة للرياض، فإن الأخيرة ستعمل على إعادة ضبط السياسة السعودية الأميركية عبر تجديد ميثاق النفط والأمن على غرار اتفاق 1945 بين الملك عبدالعزيز والرئيس روزفلت. وتشي المعلومات أن واشنطن ترتب لميثاق جديد بين الجانبين. ومع ذلك لن تفرط الرياض وأبوظبي في علاقتهما مع روسيا، وهما تتحركان تحت مظلة النظام الدولي بزعامة الحليفة أميركا.


*سفير سابق