في مدينة ماريوبول الساحلية المدمرة في جنوب شرق أوكرانيا – استُبدلت المخاوف من القصف المستمر بتهديدات صامتة: المياه الملوثة بالبكتيريا وانتشار الكوليرا القاتلة.
قادة المدينة المحليون المنفيون عبّروا عن قلقهم بشأن إمدادات المياه منذ أسابيع، ويوم الاثنين الماضي، قال مساعد العمدة «بيترو أندرياشينكو» إن الجثث المتحللة وأكوام القمامة تتسبب في تلوث الموارد المائية، ما يترك السكان معرضين للكوليرا والإسهال الحاد وأمراض أخرى. 
وقال أندرياشينكو في ظهور له على التلفزيون الأوكراني إن المسؤولين الروس الذين يديرون المدينة الآن فرضوا حجراً صحياً مؤخراً. أندرياشينكو لم يتحدث حول التدابير المتخذة بإسهاب، ولم يتسن التحقق من تصريحه بشكل مستقل، ولكنه قال إن الوضع الصحي هناك يزداد سوءا.
وكتب مجلس المدينة في تحديث على تطبيق «تليغرام»: «إن أعمال الدفن العفوية ما زالت تجري في كل بقعة من ماريوبول»، مضيفا «إن الجثث تتحلل تحت أنقاض المئات من المباني المرتفعة، ما يؤدي إلى تسميم الهواء بالمعنى الحرفي للكلمة». 
ويحذر خبراء الصحة العامة من أن ارتفاع درجات الحرارة وطول أمد الحرب يمكن أن يعرّضا أوكرانيا – جنودها ومدنييها – للأمراض المعدية، الأمر الذي قد يؤدي إلى مرحلة جديدة من النزاع ترغم السلطات على التعاطي مع تفشي الأمراض بالتوازي مع الهجمات الروسية. ويقول مسؤولون إن المناطق الأكثر تعرضا للخطر هي المناطق المحتلة من البلاد، حيث أدت فترات طويلة من القتال إلى تدمير أنظمة الصرف الصحي. 
والكوليرا، التي تنتشر عبر الطعام والماء الملوث، هي عبارة عن عدوى بالإسهال الحاد يمكن أن تكون قاتلة إذا لم تعالَج.
مجلس ماريوبول تنبأ بآلاف أخرى من الوفيات المدنية في حال انتشار المرض بشكل لا يمكن السيطرة عليه، وهو ما سيجلب مزيدا من المآسي إلى مدينة عانت أصلا بعضا من أعنف أعمال القصف في الحملة الروسية. وقال المجلس إن القصف شبه المستمر، الذي سمح لموسكو بإعلان سيطرته بشكل كامل على ماريوبول الشهر الماضي، حوّل معظم المدينة إلى أنقاض ودمّر البنية التحتية الخاصة بالماء والصرف الصحي، إلى جانب المنشآت الطبية. 
وقال أندرياشينكو على «تلغرام» إنه من أجل الوصول إلى المياه النظيفة، يجب على سكان ماريوبول الانتظار في طوابير طويلة لساعات، كما أنها لا تكون متاحة إلا كل يومين على أكثر تقدير. 
وفي إحاطة صحفية يوم الاثنين، قال كبير مسؤولي الصحة العامة في أوكرانيا، إيهور كوزين، إن السلطات الوطنية شرعت في مراقبة حالات ممكنة لانتشار الكوليرا عبر البلاد في 1 يونيو، مضيفا أن الوضع في ماريوبول سيئ بشكل خاص. 
وقال: «لا نستطيع أن نكون متأكدين بشكل كامل من أنه ستكون هناك حالات لانتشار المرض»، مضيفا «ولكن كل الظروف والشروط المسبقة لحدوثها متوافرة». 
في أماكن أخرى من أوكرانيا، يقول كوزين، هرعت فرق إلى المناطق المحررة من أجل الشروع في اختبار المياه والتربة في محاولة للحؤول دون انتشار المرض، حيث خضع إقليم كييف وجاره الغربي زيتومير لتفتيش كامل، كما قال، إلى جانب معظم منطقتي تشرنيهيف وسومي إلى الشمال. 
وقدّر كوزين أن لدى نظام الرعاية الصحية في بلاده ما يكفي من الأدوية واللقاحات لمعالجة الكوليرا حتى شهر أغسطس على الأقل. 
وفي الأثناء، تبدو روسيا منهمكة في تحضير نفسها لإمكانية تفش للكوليرا، وفق جهاز الاستخبارات العسكرية الأوكراني. ففي أوائل مايو الماضي، أعلنت الوكالة أن موسكو وضعت تدابير وقائية إضافية في المناطق المحاذية لأوكرانيا ووجّهت تعليمات للمسؤولين المحليين بإعداد مختبرات لبحوث الكوليرا وضمان أن تكون المنشآت الطبية جاهزة لتنفيذ «تدابير مضادة للوباء». 
وكانت منظمة الصحة العالمية أعلنت الشهر الماضي أنها سترسل لقاحات ضد الكوليرا إلى دنيبرو، وهي مدينة في وسط أوكرانيا، من أجل الاستعداد لانتشار ممكن للمرض. وقتئذ، سلّط مسؤولو منظمة الصحة العالمية الضوء على الظروف الخطيرة في ماريوبول. 
وقالت دوريت نيتزان، مديرة حالات الطوارئ الإقليمية في منظمة الصحة العالمية: «هناك مستنقعات حقيقية في الشوارع ومياه الصرف الصحي تختلط مع المياه الصالحة للشرب»، مضيفة «وهذا خطر كبير جدا. إنه مصدر خطر للكثير من الأمراض مثل الكوليرا». 
وفي مقال بصحيفة «واشنطن بوست» بعد حوالي 40 يوما من الحرب، دعا الكتّاب ماكس بروكس وليونيل بينر وجون سبنسر إلى رد دولي عاجل على إمكانية انتشار المرض في أوكرانيا، لافتين إلى أنه في نزاعات ماضية تسببت الأمراض في عدد كبير جدا من الوفيات. 
ودعوا إلى تبرعات كبيرة بمعقمات اليد، ونيترات الأمونيوم، ومصائد الفئران والجرذان.

ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»