لا يخجلني أن أعترف أنه حتى عام 2011، كانت فكرتي عن العواصف الرملية رومانسية إلى حد ما واقتصرت في مادتها تقريباً على مشهد من فيلم «المريض الإنجليزي» يصور وقوع الممثل رالف فينيس والممثلة كريستين سكوت توماس في الحب داخل سيارة صدئة ضربتها رياح الصحراء. ولهذا السبب ثارت بداخلي الرومانسية حين حل موسم العواصف الرملية في مصر التي كنت أقيم فيها حينذاك. وصرت أتذكر الأسماء العربية لرياح الصحراء التي كان يرددها الممثل فينيس في الفيلم وأضفت لها مصطلح «رياح الخماسين» الذي تشتهر به العواصف الرملية في مصر. 

وتحول كل هذا التشويق إلى خيبة أمل حين وصلت العاصفة إلى القاهرة. فقد نفذت الرياح من كل ثقب في شقتي. وامتلأ الهواء بذرات الغبار التي أدت، إلى جانب التلوث التي تشتهر به العاصمة المصرية، إلى صعوبة في التنفس. وأصبحت شمس مصر الحارقة مجرد صورة في السماء واكتست الأشجار والمباني وحتى الناس لوناً بنياً حزيناً. وأصبحت الصحراء فجأة في كل مكان، حتى في فمي وأنفي وأذني، وبقيت رمال الصحراء هنا لفترة طويلة بعد رحيل رياح الخماسين. ومن المؤكد أن هذه الرياح كانت تبدو أجمل في الفيلم. وتحدث العواصف الرملية حين تمر رياح قوية فوق مناطق جافة فتثور دوامات من الرمال تدفعها الرياح مئات بل آلاف الأميال. وتعد الصحراء الكبرى- الأكبر في العالم- أكبر مصدر للغبار في العالم. صحيح أن نوبات الغبار تميل لأن تكون موسمية وتتبع التغيرات في ظروف الرياح، لكن سلسلة من نوباتها الشديدة في الآونة الأخيرة أدت إلى زيادة الاهتمام بها. 

وشهدنا عاصفة «جودزيلا» الصحراوية العملاقة التي عبرت المحيط الأطلسي ووصلت البحر الكاريبي في يونيو 2020. وبعد مرور عام، جعل الغبار الصحراوي الثلج في جبال الألب يتحول إلى اللون البرتقالي. وفي شهر مارس، غطت عاصفة رملية- أطلق عليها الإسبان «كاليما» وهي كلمة مشتقة من اللاتينية تُترجم بأنها «ضباب معتم وكثيف» - إسبانيا بلون برتقالي. في أبريل ومايو، غطت عواصف ترابية أجزاء من الشرق الأوسط، مما أدى إلى تدهور جودة الهواء وأثر على الحياة اليومية في بلدان مثل إيران والعراق والإمارات العربية المتحدة. 
وتؤكد سارة باسارت، الباحثة البارزة في «مركز برشلونة للغبار الإقليمي»، الذي ينسق أبحاث المنظمة العالمية للأرصاد الجوية في العواصف الرملية والترابية في أوروبا وشمال أفريقيا والشرق الأوسط «إننا نشهد عدداً استثنائياً من العواصف الرملية ذات شدة غير عادية. والغبار لم يعد مجرد مسألة تتعلق بالصحة العامة فحسب، بل قد يؤدي إلى توقف النشاط الاقتصادي في المنطقة». وشهد العراق تسع عواصف ترابية إجمالاً هذا العام أثرت على كل شيء من الامتحانات النهائية للمدارس إلى حركة المرور في الموانئ والمطارات. وذكرت وزارة الصحة في البلاد أن نحو 35 ألف شخص اضطروا للذهاب إلى المستشفيات بعد معاناتهم من الاختناق وأن ثلاثة أشخاص على الأقل لقوا حتفهم. وفي دبي، ألغت المدارس الأنشطة خارج الغرف الدراسية لمدة أسبوع. 
وأثارت شدة أحداث هذا العام وتواترها المتزايد تساؤلات حول العلاقة بين العواصف الرملية وتغير المناخ. فعلى عكس درجات الحرارة والمطر، فإن قياسات الغبار حديثة العهد. فقد بدأ العلماء في قياسها بدءاً من عام 2000، بحسب قول باسارت. وهذا يعني أنه لا تتوافر بيانات كافية للجزم بأن الأحداث الأخيرة ترقى إلى مستوى السير نحو توجه معين. لكن هناك مؤشرات على أن تغير المناخ يؤثر وسيظل يؤثر على هذه الظاهرة. فالجفاف والتصحر المرتبطان بارتفاع درجة حرارة الكوكب بوسعهما أن يزيدا كمية الغبار فوق مناطق معينة، وفقاً لوكالة «كوبرنيكوس» لمراقبة الأرض التابعة للاتحاد الأوروبي. وتشير الأبحاث التي استشهدت بها الوكالة إلى نوبات غبار صحراوية أقل تواتراً لكنها أكثر كثافة، بينما وجدت ورقة بحثية نشرتها مجلة «نيتشر» في أبريل أن عدد حوادث ثوران الغبار في غرب البحر الأبيض المتوسط ​​ازدادت وتيرتها وشدتها بين عامي 1948 و2020. 

لكن هناك أدلة تشير إلى الاتجاه الآخر. فقد توقع علماء ناسا أن ارتفاع درجات حرارة سطح البحر سيضعف الرياح في المحيط الأطلسي ويؤدي إلى تقلص دوامات الغبار السنوية في أفريقيا لتصل إلى حدها الأدنى في 20 ألف عام خلال القرن المقبل. وبحث علماء آخرون الطريقة التي يمكن أن يؤدي بها ارتفاع درجة حرارة الكوكب إلى معدلات تبخر أعلى في بعض أجزاء أفريقيا، مما يؤدي إلى ما يسمى بـ «اخضرار الصحراء»، وهذا قد يؤدي إلى تقليل كميات الغبار، وفقاً لوكالة كوبرنيكوس. ويُعتقد أن أحدث سلسلة من العواصف الرملية ناتجة عن الجفاف الشديد في شمال أفريقيا، وكذلك على طول حوضي دجلة والفرات. وترى باسارت «إنه مزيج مثالي - الرياح على السطح والأرض الجافة. لكن العواصف الترابية تنطوي أيضاً على عنصر اجتماعي متعلق بإدارة الأراضي. فهناك مناطق يجب ألا يثور منها غبار بالضرورة، لكن هذا يحدث بسبب سوء إدارة الموارد المائية». 

وأضافت باسارت أن عقوداً من الصراع المسلح في العراق أدت إلى هجر مناطق زراعية بأكملها وجفت هذه المناطق وأصبحت مصدراً للغبار. وفي العامين الماضيين، انخفضت التدفقات من نهري دجلة والفرات القادمة من تركيا، وإيران منعت تدفق جميع الروافد نحو العراق، بحسب بيانات للحكومة العراقية. وتحسن التنبؤ بالعواصف الترابية على مدار العقدين الماضيين، حيث أصبح «مركز برشلونة للغبار الإقليمي» يرصد الآن جميع الأحداث الرئيسية قبل ما بين ثلاثة إلى خمسة أيام من حدوثها بفضل التنبؤات اليومية التي تجمع بين 17 نموذجاً علمياً مختلفاً. وذكرت باسارت أنه مازال يتعين بذل المزيد فيما يتعلق بجمع البيانات على الأرض. فلا توجد سوى محطتين لقياس الغبار في الصحراء الكبرى بأكملها ولا توجد أي محطة في الصحراء الوسطى بالمملكة العربية السعودية. ومضت باسارت تقول: «العواصف الترابية ليس لها حدود وعلينا مواجهتها من المصدر. ما يحدث في العراق يؤثر على الكويت وقطر والمملكة العربية السعودية، لذا يتعين علينا المراقبة في كل مكان حتى نتمكن من تحسين التنبؤات».
ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»