تنتشر جثث الماشية المتعفنة والعظام على الأرض الظمآنة حول جاريسا في شرق كينيا، مركز الأزمة الإنسانية والبيئية التي تتكشف في جميع أنحاء القرن الأفريقي. فقد أدت أسوأ موجة جفاف منذ أربعة عقود على الأقل، ودرجات الحرارة المرتفعة، إلى استنزاف الأنهار والسدود في المنطقة، مما دفع آلاف المزارعين المعدمين إلى ترك أراضيهم، ولم يبق في المنطقة سوى أولئك الذين ما يزالون يعتمدون على المضخات والآبار وإمدادات المياه المنقولة بالشاحنات. انخفض معدل الالتحاق بالمدارس، حيث يتم إرسال الأطفال الذين تقل أعمارهم عن ست سنوات لجلب المياه في براميل بلاستيكية صفراء، فيقطعون الأميال وصولاً إلى نقاط التجميع.
كان «آدين أولو» من بين أولئك الذين أُجبروا على ترك منازلهم بعد أن فقد 20 معزاةً بسبب الجفاف. ففي أواخر شهر فبراير الماضي، انطلق من قريته نونو بالقرب من جاريسا مع بقايا قطيعه الصغير بحثاً عن الرعي في الصومال المجاور، تاركاً زوجتَه «مؤمنة محمد» لتعتني بأطفالها التسعة. كان عليها اقتراض المال من أصحاب المتاجر المحلية لإعالة الأسرة. وقالت الزوجة (30 عاماً) في مقابلة، «إنها مسؤولية ثقيلة للغاية أن نربي كل هؤلاء الأطفال بمفردنا. كلهم ​​بحاجة للطعام وهذا مرهق للغاية. عندما تهطل الأمطار، أتوقع عودةَ زوجي».
وحذّرت اللجنة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ من أن الاحتباس الحراري، الناجم عن انبعاثات الغازات الدفيئة، يؤدي إلى المزيد من الظواهر المناخية المتطرفة، وأن الدول الأفريقية من بين الدول التي ستواجه زيادةً في انعدام الأمن الغذائي والمائي. كما أن ما لا يقل عن 16 مليون شخص معرضون بالفعل للخطر في جميع أنحاء كينيا وإثيوبيا والصومال، وفقاً للأمم المتحدة، وأن خطر المجاعة هناك بات واضحاً.
وبينما تهطل الأمطار في كينيا عادةً بين شهري مارس ويونيو، وبعض الزخات بين أكتوبر وديسمبر، بدأت أنماط الطقس في التغير. فالعديد من المناطق لم يكن لديها ما يكفي من المياه منذ أواخر عام 2020، وليس هناك ما يشير إلى نهاية وشيكة للجفاف.
ونتيجة لذلك، انخفض إنتاج الحبوب في جميع أنحاء شمال كينيا وجنوب الصومال إلى النصف خلال العام الماضي، وتعرضت العديد من قطعان الماشية (خاصة الماعز والإبل) للنفوق جوعاً وعطشاً. وأدت حرب روسيا على أوكرانيا إلى تفاقم الوضع الرهيب، حيث دفعت أسعار الحبوب والوقود إلى مستويات مرتفعة، ورفعت تكاليفَ المساعدات المقدَّمة من طرف الحكومات التي استُنفدت خزائنها قبل ذلك بسبب جائحة فيروس كورونا.
وفي هذا الشهر، تنازلت كينيا عن رسوم الاستيراد على 540 ألف طن من الذُّرة لمعالجة ما وصفه وزير الخزانة «أوكور يوتاني» بأنه أزمة وشيكة. وقام الرئيس أوهورو كينياتا بزيادة الحد الأدنى للأجور بنسبة 12% لحماية العمال من ارتفاع أسعار الحبوب وزيت الطهي والسلع الأساسية الأخرى.
وتبذل الحكومةُ الكينية قصارى جهدها لمساعدة أكثر من 210 آلاف شخص تأثروا بالجفاف في محيط جاريسا، على بعد 350 كيلومتراً (217 ميلاً) شمال شرق العاصمة نيروبي، بما في ذلك توصيل المياه بالشاحنات إلى المواقع النائية، وفقاً لما ذكره شكري فيات، المتحدث باسم الهيئة الوطنية لإدارة الجفاف في كينيا، والذي قال: «العمل مستمر ويستنزف الموارد».
لكن شارماك محمد، الذي يرأس جمعية المحافظة الشمالية الشرقية، وهي مجموعة من محميات الحياة البرية في جاريسا ومدينتي واجير ومانديرا المجاورتين، اتهم السلطات بعدم القيام بما يكفي للحفاظ على مصدر عيش الرعاة وعائلاتهم، والذين يمثلون حوالي خمس سكان كينيا البالغ عددهم 55 مليون نسمة ويشغلون أكثر من 70% من مساحة أراضيها. وقال إنه يجب استثمار المزيد من الأموال في الزراعة والتخفيف من آثار تغير المناخ. ثم أضاف: «هذا البلد يجلس على قنبلة موقوتة. نحن بحاجة إلى النظر في تداعيات تجاهل المجتمع الرعوي».
وقال محمد داود، رئيس مجتمع يضم حوالي 300 أسرة، إن أكثر من ربع الرجال غادروا نونو، والكثير من الأطفال تركوا المدرسة لأن عائلاتهم لا تستطيع تحمل الرسوم. في المدرسة الابتدائية بالقرية، لاحظت المعلمة ماريان أحمد أن عدد التلاميذ في الصفين الرابع والخامس تقلص إلى ثمانية فقط، مقابل 33 تلميذاً في أغسطس من العام الماضي. وأضافت أنه تم إعطاء الأولوية للفتيان في الدراسة، كما أن الفتيات الصغيرات في سن التاسعة يتم تزويجهن بشكل متزايد من أجل مدفوعات المهور أو لتخفيف الضغط الاقتصادي على أسرهن اليائسة.
وأثّر الجفاف أيضاً على الحياة البرية والبيئة، حيث تحولت مساحات شاسعة من السافانا إلى أراضٍ حمراء رملية. وبدأت الزرافات الهزيلة في شق طريقها إلى مدينة جاريسا الهادئة التي يبلغ عدد سكانها 165 ألف نسمة، بحثاً عن شيء تشربه، حيث يقوم السكان المحليون بتزويدها بمياه النهر بينما يطردها آخرون من ممتلكاتهم.
وتشعر مؤمنة محمد أكثر من أي وقت مضى باليأس والقلق من أنه إذا جاءت المساعدة في نهاية المطاف، فستكون قليلة جداً وبعد فوات الأوان. وقالت: «أخشى ألا تهطل الأمطار حتى أكتوبر. الله وحده يعلم متى سيتم لم شمل عائلتي».

ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»