لا يوجد فيلم عربي واحد عن علم الرياضيات، ولا عن عالم رياضيات، بينما أنتج الغرب العديد من الأفلام في هذا الحقل الصعب للغاية بين العلوم البحتة. إن علم الرياضيات هو علم قائد في الحضارة المعاصرة، وإنّ وجود نخبة علمية في هذا المجال، ووجود أجيال من النابغين في ذلك العلم، يمثل ضرورة أساسية للأمن القومي العربي.
روى لي الدكتور أحمد زويل لقاءاته وانطباعاته عن عالم الرياضيات الأميركي الشهير «جون ناش».. ذلك المريض النفسي الذي عانى من انفصام الشخصية وسيطرة الهلاوس السمعيّة والبصريّة، ولكنه واجه ذلك كله حتى حصل على جائزة نوبل عام 1994. وقد عرف العالم قصة حياة «ناش» من خلال الفيلم الأميركي الشهير «عقل جميل» الذي تم إنتاجه عام 2001. 
في عام 2015 تم إنتاج الفيلم السينمائي «الرجل الذي عرف اللانهاية» عن قصة حياة عالم الرياضيات الهندي «رامانوجان»، وفي عام 2017 صدر الفيلم الأميركي «حرب التيارات» الذي يروي قصة العلم في نهاية القرن التاسع عشر وبدايات القرن العشرين، من خلال ثلاثة عمالقة هم: توماس أديسون، وجورج ويستنجهاوس، ونيكولا تسلا. وقد صدر عن «تسلا» فيلم مستقل حاز شهرة كبيرة هو فيلم «تسلا».. الرجل الذي اخترع القرن العشرين.
لقد شاهدت مؤخراً للمرة الثالثة ذلك الفيلم الرائع «الرجل الذي عرف اللانهاية».. كان ذلك الفيلم المميّز هو فيلم الافتتاح في مهرجان زيوريخ السينمائي 2015، وقد عرضه مهرجان دبي السينمائي في العام نفسه.
يروي الفيلم قصة حياة الطالب الهندي «الفاشل» وعالم الرياضيات العبقري «سرينيفاسا رامانوجان».. الذي ولد عام 1887 ورحل عام 1920. كانت قراءة «رامانوجان» كتاباً في علم الرياضيات بداية الإعجاب والتعلُّق بذلك العلم المثير. وبدأ منذ ذلك الحين في مشاغباته الرياضية داخل الفصل الدراسي. وقد زاد شغفه بالرياضيات إلى حد فشله الدراسي نتيجة إهماله باقي المواد.
عمل رامانوجان موظفاً في ميناء «مدراس» الهندي، ولكنه واصل التفكير، وكان أن توصّل إلى حلول بشأن مسائل رياضية لم يكن عالم الرياضيات البريطاني في جامعة كامبريدج «هارولد هاردي» قد قام بحلّها. راسلَ «رامانوجان» البروفيسور «هاردي» وانتهت المراسلة بدعوة رامانوجان لزيارة لندن، وهنا كان الانبهار بالعالِم الذي لم يكمل تعليمه.
تم اعتماد رامانوجان كأحد أعظم علماء الرياضيات، لكنه بسبب مرضه عاد إلى الهند ورحل في الثانية والثلاثين، تاركاً نجاحاً مذهلاً ومجداً كبيراً.
يقول عالم الرياضيات «كين أونو»: الرياضيات متعة وليست مهنة. وفي كتابه الرائع «اعتذار عالم رياضيات» يقول البروفيسور «هاردي» الذي اكتشف «رامانوجان»: إن جمال علم الرياضيات يُقارن مع الرسم والشعر.
يحتاج العالم العربي إلى بدء مشروع طموح للسينما العلمية، لا سينما الأساطير والأشباح، كما يحتاج إلى مشروع أكثر طموحاً عن سينما الرياضيات، لتعزيز جاذبية هذا العلم الجافّ في مدارسنا وجامعاتنا.
علم الرياضيات ليس مجموعة من التمارين العقلية والرموز الخيالية، بل هو أحد أسس النهضة في القرن الحادي والعشرين.
* كاتب مصري