مع وصولنا إلى المبدأ العاشر من مبادئ الخمسين التي وضعتها دولة الإمارات العربية المتحدة لنفسها للسير عليها وتنفيذها على مدى الخمسين عاماً القادمة منذ الثاني من ديسمبر 2021، نكون قد وصلنا إلى نهاية هذه السلسلة من المقالات التي خصصناها لشرح مبادئ الخمسين هذه.

المبدأ العاشر ينص على: «الدعوة للسلم والسلام، والمفاوضات والحوار لحل كافة الخلافات هو الأساس في السياسة الخارجية لدول الإمارات. والسعي مع الشركاء الإقليميين والأصدقاء العالميين لترسيخ السلام والاستقرار الإقليمي والعالمي يعتبر محركاً أساسياً للسياسة الخارجية». إذن فالمبدأ العاشر يتعلّق بالسياسة الخارجية في الشق المتعلق منها بتحقيق السلم والسلام على الصعيدين الإقليمي والعالمي.

للنصف قرن الذي مضى منذ قيام الدولة الاتحادية وهي تسعى إلى احتواء جميع النزاعات الساخنة التي تدور في هذا العالم على الصعيدين الإقليمي والعالمي، لذلك، فإن المبدأ العاشر المستقبلي هذا ليس بجديد على سياسة الإمارات الخارجية، بل هو جزء أصيل ومتمكن فيها ومورس في مواقف كثيرة عادت بالنفع على العديد من الدول التي دخلت في صراعات ساخنة وتدخلت فيها الدولة مستخدمة القدر الكبير والمؤثر من القوة الناعمة التي لديها.

سياسات الاحتواء التي انتهجتها الدولة ما بين 1971 و2022 تم تسخير الكثير من الأموال والجهود السخية لتحقيقها، بما في ذلك إرسال قوات عسكرية من أبناء الإمارات البررة للفصل بين المتقاتلين وتقديم الإغاثة والمعونة للمدنيين المتضررين من نساء وأطفال ومسنين من ويلاتها.

إن احتواء المشاكل والسعي نحو تحقيق السلام ربما يكون المثال الأوضح في تاريخ دولة الإمارات السياسي والدبلوماسي على مدى السنوات الماضية منذ تأسيسها الذي تم فيه انتهاج سياسات رصينة وتحقيق نجاحات واضحة ومحددة في البوسنة والهرسك، والحرب العراقية الإيرانية، حرب تحرير الكويت وتحالف دعم الشرعية في اليمن ضد التوسع الإقليمي وضد تغول جماعة «الحوثيين»، والأمثلة الأخرى كثيرة، لكن سر النجاح في هذا يكمن في الإرادة القوية والصدق والإيمان والرغبة في تحقيق الأمن للشعوب والسلام للأوطان، ولو كانت بعيدة عن حدودها الإقليمية. وعلاوة على ذلك، فإن تركيز دولة الإمارات وإصرارها على تحقيق السلام لذاتها وحماية أشقائها من دول مجلس التعاون الخليجي من جميع المخاطر ونوايا التوسع والأطماع الخارجية، مبدأ راسخ في سياستها.

وجهود أخرى تبذلها دولة الإمارات - سواء للحد من انتشار أسلحة الدمار الشامل وتصنيع الأسلحة النووية وتحقيق السلام العادل والشامل في منطقة الخليج العربي والمنطقة العربية وجوارها الجغرافي، أو الدفع بعمليات السلام في كل نزاع ينشب، أو الرغبة في تعزيز قدراتها التنافسية على الصعيد الاقتصادي والتجارة الخارجية، تعتبر من أولوياتها القصوى التي تتبوأ فيها مراكز مرموقة وتجلس وفقاً لذلك على المقاعد الأمامية في ما يتعلق بتحقيقها مقارنة بجميع الدول الأخرى.

في عالمنا المضطرب. الذي يعتبر جديداً بكل ما في المعنى من كلمة، وعلى ضوء الحرب الدائرة في أوكرانيا هذه الأيام والتي تهدد العالم بانفجار حرب عالمية ثالثة، يعتبر تحقيق السلام أكثر أهمية وأبعد تحقيقاً. أما بالنسبة للقضايا الأخرى المعقدة، فلا توجد وصفة واحدة لإصلاح جميع الحالات، وهذا يستدعي وضع استراتيجية جديدة لسياسة خارجية متميزة تتضمن عدة محتويات: قوة وصلابة الأوضاع الداخلية وتعاضد الدولة والمجتمع لتحقيق ذلك.

فأية سياسة خارجية ناجحة تعتمد على أوضاع داخلية مستقرة وقوية ومصانة؛ و بناء تحالفات وشراكات وصداقات متينة مع أكبر عدد ممكن من الدول على مدار العالم بدءاً بالإقليمين الخليجي والعربي؛ ودعم مؤسساتنا الاقتصادية الكبرى العاملة على الصعيد العالمي؛ وتوحيد الخطاب الموجه إلى الخارج بين القطاعين العام والخاص؛ وتكوين شراكات مثمرة مع الدول الأخرى الداعية إلى تحقيق السلام العالمي في كل مكان؛ وأخيراً تكوين منهج يقوم على أخذ حالات تحقيق السلام الواحدة تلو الأخرى، بحيث تؤخذ كل حالة على حدة وعدم خلط المسائل، لأن الخلط يجلب التشتت والتوهان.

* كاتب إماراتي